يداعب الصبي خصلة جدته المنسابة على جبينها الوضاء ، تربت

على كتفه ، وتومِئُ إليه برأسها باسمة أن بوركت ، ثم تسبح في ملكوتٍ لا يدرك

منه الصبي سوى ذلكم البريقَ الذي يتراقصُ في عينيها ، نعم أدرك الصبيُّ أن

سرًًّا ما يغمر الجدةَ ويحيطها، وأدركتُ أن الإحساسَ طريقـُنا الأولُ للإدراك، حين

تفرستِ الجدة عيني الصبي مليًّا وقالت: لعينيكَ شهوةُ الملاك، ولي ما تبقى من

خيوط هذا المساء. لم يكن الصبيُّ يسمع همسَ الجدة وهي تمرر السبحة في يدها،

لكنه كان يمد يده إليها محاولا إمساكها، لعله اهتدى إلى العلاقة الحميمة بين الجدة

وسبحتها، فأحس بالغيرة، أو ربما بالحيرة، كيف تداعب وتتكلم مع شيء لا يتكلم

ولا يبتسم، بل وتقبله أيضا ؟

أنهت الجدة التسبيح، وهَمَّتْ بالنهوض، لولا أن الصبيَّ أمسك بطرف

السجادة باكيا، كأنما يستجديها البقاءَ معه، فأذعنتْ لرغبته وجلستْ تلاعبه حتى

نام.. واستيقظتْ..!