خطوٌ جثا بين المعابر ينتشي عبق الأحبة نازفا ..

يحثو عليّ أنينُه صمتَ القبورْ
فأتيه في بحر الظنون تسوقني ريح النوائب مركبا
ألف الخديعة والعنا حتى النشورْ

أرخيتُ أشرعةَ الرحيل وبحتـُني
سرا لهذي الأرض أجمع زرعها أيكا وريقا بين أقبية الدهورْ
والليلُ يصفعُ بالمقاصل وجهَ من لبسوا التغربَ وارتضوا..
بردَ النضال يصدهم سيفُ العبورْ
عاندتُ لوعةَ مدمعي
ودّعتُ صمتا كل من أسْرَوا معي
وأشحتُ باللحظِ الرضي عن الحياة ووردها
وهْـنـًا تقلبني المواجعُ مترعٌ كأسُ التنهد من ذبالةِ أضلعي
والصوتُ ينتعل الصدى صوبي يخاتل مسمعي
عبر انكسارات الدروب وقد تقرحتِ الخطى بين الركامْ

لتلفني رحلا وريقاتُ العذابِ فأنحني مثل المراسي التائهات تزجُّها للساحل المنسي أمواجُ الظلامْ
ويعيدُني أرقُ النوارس للربوع وما تبقى لي من العهدِ القديم مُنضّدا
يسقي حطام الروحِ توقا يستحثُّ حِمى السلامْ
كي يحيي نبضا وسّـدتهُ مُدى السقامْ
والجفنُ يثقلهُ التذكرُ مُسْهدًا
عبثا يهدهد خافقي المنحور وجدًا حينما مزقتُ فاصلةَ الكلامْ

واسّاقطتْ خلفي قصورٌ بالمُنى شيدتها عاما بعامْ

ومضيتُ يا جرحي الدفين على اللظى أطوي متاهاتِ الحدودْ
والصدرُ نزافٌ على جمرالصدودْ
شاختْ ذوائب مجدنا بين القيودْ
والفجر يرفضُ أن يعودْ
فإلى متى تبقى تمنيني أيا حلما هنا خلفي يبدده الشرودْ
كل الغصون تهدلت ْ
والدالياتُ هناك من عَنت الترقب قد ذوت ْ
والوكرُ قفرٌ مذ تأود مثقلا بين الجِمار مرددا هل أمطرتْ

وأنا الرواسي الشامخات على البلاء يشقها..
سهم الأعاصير التي ضجّتْ بأقواس الخِواءْ
من ذا يعيد لحيّنا تلك المساءات الوِضَاءْ
هذي يقايا صرحنا بين الغياهب يا صباحاتٍ هنا كانت تراتيلا تضخ العزَّ سيلا..
ما انثنى رغم الضنى تدحوهُ أصداءُ المآذن كلما ثارت يوضئها النداءْ
لا.. لم يعد فوحُ الربيع يزاور التربَ المسجّى مذ غفا نجمُ الوفاءْ
لكن قيثاري المُنَــدَّى بالبشائر لم يزل بين المرافئ منشدا لحن الإخاء
يا حاديَ الأشجان ما ملت يداك هناك أغوارَ الحِداءْ
حصباؤنا تحسو الفجائع والثرى يسقيه دمعُ الكبرياءْ
تعنو خطانا والطريقُ الصعبُ قبل البدءِ ما عرفَ انتهاءْ
خلفي البلابل تقتفي أثرَ الترقرق والنماءْ..

ويمامةٌ ملّت يبابَ الوكرِ تجلدُها الملاجئُ مزقتْ

وترَ الغناءِ تهزُّ غربةَ منكِبيها العاريينِ وتنحني..
ملء ارتواء العمر من بئر الفناءْ
ليمور لحنٌ خافتُ من صدرِها المكلوم ِيفشي بعضَ أسرار البيادر والربى
ويغيبُ في غمر السؤال مضرجا :.. هل أمطرتْ تلك السماءْ..؟

فيهيمُ صوتيَ هادرا من يبس هذي الروح يصرخُ بالفلا ما أمطرتْ..!
ونعم تجيبُ قرابُنا ..وجرارُنا..والقمحُ والزيتونُ والأرضُ الظماءْ

ما أمطرتْ .. ..!!!
منذ افترقنا والغمائمُ تحترقْ
والحزنُ يرسمُ بالسواد معاندا صفوَ الأفقْ
مذ بعثرتْ غدرا رصاصاتُ الغياب ديارَنا
واستبدلتْ ماءَ السواقي بالدلاءِ الفارغات يلوكُها سيل الدماءْ
ما أمطرتْ والبينُ يسفحُ دمعـَنا
صمتا يعبُّ كؤوسَنا من أنّـــة الصبح المكفنِ عنوةً
ومن العيون الساهرات يقينها أملٌ يكابر كي يرتق بيننا ثوب التصبُّرِ
من خيوطِ النور إن أرْختْ يدُ الأعوام أطنابَ الشقاءْ

لي دمعة أروي بها عطش المواسم كلها
والجفن إن خان الضياء أزفه للشمس قربانا وللقمر الشريد أُريقُني..
نهر انتماءٍ لم يزلْ يسقي أزاهير الرجاءْ
رغم العجافِ السبعِ والشوقِ الدفينِ بقلبنا الصادي لأمجاد مضتْ
رغم الجراح الموغلات بصدرنا قهرا هنا عينُ التهجد ما غفتْ
سنعود رغم القيظ نهرا باسما إن أمطرتْ
وترقرقتْ عرسا غماماتُ الصفاءِ تسوقها ريح التجلد و الدعاءْ