وطن الذنب

تَبكِي وَلَيلُكَ مُقفِرٌ كَنَهَارِكْ
وَصَدَى بُكَائِكَ فِي القُلُوبِ مَعَارِك

يَا مَوطِنَ الذَنبِ الذِي نَحيَا بِه
مَالِي أَرَاكَ أَطَلتَ فِي استِغْفَارِك

مِن بَينِ أَشلَاءِ الضَحَايَا جِئتَ كَي
تَطوِي المَسَافَةَ بَاحِثًا عَن دَارِك

وَأَرَاكَ ضِعتَ.. وَضَاعَ فِيكَ مَسِيرُنا
فَاسْأَلْ صَدَى الخُطُوَاتِ عَن آثَارِك

تَجْتَرُّ فِي دَربِ الغَرَابَةِ صَمتَنَا
وَتَفِرُّ مِن مَأسَاتِنَا وَتُشَارِك

وَتَعُودُ.. لَا الأَحْزَانُ تَهجُرُنَا وَلَا
فَرَحٌ تَلَألَأَ فِي جِهَاتِ مَسَارِك

فَاجمَعْ بَقَايَاكَ الَتِي احتَرَقَتْ هُنَا
وَانْفُضْ غُبَارَ التِيهِ عَن أَسْفَارِك

وَادْفِن أَنِين النَايِ فِي جَوفِ الدُجَى
وَانفُخْ خَوَاءَ الرُوحِ مِن مِزمَارِك

عَادَتْ خَفَافِيشُ الظَلَامِ لِتَعتَلِي
عَرْشَ الضَمَائِرِ بَعدَ طُولِ حِصَارِك

تُدمِي جِرَاحَ الفَجْرِ تَقْتُلُ بَوحَهُ
وَتعِيثُ فِي أَحْلَامِنَا وَقِفَارِك

جَاءَتْ وَأَوَّلُهَا يَبِيعُ بِبَابِنَا
قَاتًا وَآخِرُهَا عَلَى أَسْوَارِك

قِطَعٌ مِن اللَيلِ البَهِيمِ تَلُفُّنَا
وتُطَارِدُ النَّجْمَاتِ خَلفَ مَدَارِكْ

دَارَ الزَّمَانُ عَلَيكَ يَا وَطَنَ الضُّحَى
أَهلُ الكُهُوفِ اسْتَوطَنُوا بِدِيَارِك

صَارُوا حُمَاةَ العَارِ لَيتَ جُمُوعِهِم
غَابَتْ هُنَاكَ وَمَا دَنَتْ مِن عَارِك

قَتَلُوكَ بِالثَّوَرَاتِ غَدرًا.. لَم نَجِدْ
فِيهِم غَيُورًا سَائِلًا عَن ثَارِك

وَطَنُ الجِرَاحِ.. دوَاكَ جُرحِي إِنَّنِي
مَازِلْتُ أَحلُمُ أَنَّنِي بِجِوَارِك

وَأَرَاك فِي سِجنِ المَذَلَّةِ حَامِلًا
نَعشَ الكَرَامَةِ كَالبَعِيرِ البَارِك

مِتْنَا وَصُودِرَتِ القَصَائِدُ عُنوَةً
وَعَلى الحُرُوفِ ضَرِيبَةٌ وَجَمَارِك

كُلّ النَوَارِس غَادَرَتْكَ لِعِلمِهَا
أَنّ اللَآلِئَ لَمْ تَعِشْ بِمَحَارِك

أَسْمَاؤُنَا مَجهُولَةٌ وَدُرُوبُنَا
حَيرَى.. نُفَتِّشُ فِيكَ عَن مُخْتَارِك

نَمضِي نُكَابِدُ غُربَةً تَحْتَلُّنَا
وَنُحَدِثُ الأَجْيَالَ عَنْ أَنوَارِك

نَرنُو إِلَيكَ وَغَصَّةٌ مَحمُومَةٌ
تَسْتَعلِمُ الآتِينَ عَن أَخبَارِكْ

فِي زَحمَةِ التِرحَالِ يَعلُو صَوتُنَا:
يَا رَبّنَا انصُرْنَا عَلَى أَنْصَارِك