الربيــــع

كنتُ أفرح بقدومه، أفرح بلونه الأخضر الذي يكسو الأرض ، وبلونه الأحمر الذي يسكنُ شقائق النعمان، وبلونه الأصفر الذي يتلألأ في الأقحوان .
كنت ألاحق الفراشات، وأثيرُ النحلات، ويرفرف قلبي مع أسراب السنونو المهاجرة.وتُسافرُ أحلامي مع نسوم المساء الحالمة.
كانت المروج الخضراء المتعرِّجة أكثر نعومةً من فراشي الوثير، وأصوات الحملان البيضاء، وتغريد البلابل المزيَّنة أشجى من أنغام الربابة و العود.ومنظر الغروب أجمل من كل لوحات الفنانين. وبريق الفرح الذي يتألق في عينيَّ أبلغُ قصيدة .
وماذا عن عطر الطبيعة الناعش، و الشذا الذي يفوح من الزهور ؟ إنه لأزكى من أطيب الطيب، بل هو أطيب الطيب.
كبِرتُ وكَبِرَ معي الرَّبيع ، فلم أعد أرى أسراب السنونو كما كنت أراها. ولم يَعُد صوت الحمام يُشجيني، ولم أعد أستحسن منظر الفراشات المزركشة.
ما الذي حصل يا ترى ؟ لقد تغيَّرت صورة الربيع في عينيَّ، فبتُّ أراه في همسة حنان وفي لحظة أمان، وفي ابتسامة بريئة . أصبح الربيع بالنسبة لي صديقاً أبوح له بأشجاني، وأسكب في مسامعه أحلامي وآمالي، وقصيدةً تُفصحُ عن معاناتي، وقصَّة حزينة تلامسُ مشاعري فتُبكيني.
كَبرتُ، وكبرَ الربيع، وعندما فتحت كتاب نفسي وجدت الربيع فتاة جميلة، عيناها قصيدة، وضفائرها خميلة، أطهر من السحابة في السماء، وأرقُّ من النسيم في الحديقة الغنَّاء.ينسجُ الفرح مملكته من حروف اسمها، وتنتهي مراكب الأمل عند شواطئ ابتسامتها.
كبرتُ، وكبر معي الربيع، ففتحت كتاب نفسي، وإذا بالربيع طفلاً بريئاً جمعَ كل ألوان الفرح في ابتسامته، وفيوض الأمل في عينيه.تأمَّلت جيداً وإذا به يسكن في يد زوجتي الحانية عندما تمسِّدُ شعرات طفلها، وفي لهفتها الصادقة التي تملأ الدنيا بالصدق والحنان.
كبرتُ وكبر معي الربيع، ففتحت كتاب نفسي فما وجدته...تلفَّتُّ حولي فما وجدته ...فرحتُ أبحث عنه.... فتَّشتُ المجلدات ..وسألت عنه الكتب والمجلات...وسألت عنه الخاصَّة والعامة...فما وجدتُه.
بدأت من جديد أبحث عنه، فقرأت في الأحاسيس، وبحثت في المشاعر، وسألت القلوب وصارحتُ النفوس.
نعم ، لقد تعبتُ وأنا أبحث عنه حتى وجدته. هل تعلمون أين وجدته ؟
وجدت الربيع في قلب صادق لا يعرف الكذب.وفي ابتسامة المعلم التي تزرع الأمل في قلوب التلاميذ.
وجدت الربيع في حضن الأم الدافىء، وفي يد الأب الحانية. و في عيون الجندي الساهرة التي ترابط على حدود الوطن.
وقبل أن أمضي سألت الربيع قائلاً : متى تُزهر يا أيها الربيع ؟ قال : عندما يرضى عنك أبواك.


بقلم: بدر محمد عيد الحسين
سوريا_ الغدفة 5/7/2006م
badrhussain@hotmail.com