الى أحمد بن ماجد ـ 6 ـ

لا أريد صمتك أن يتحدث, فهو أكثر ثرثرة من كلماتك الغائرة في الاختصار, ولا أريد كلامك أن يصمت إلا ما استقطعته من حديثك العابر من جوار الليل , الليل الذي أسرفت في صرفه لغير مستحقيه , الليل الذي نام على وسائد صمتي حين لاحت عمامتك من خلف السجام الهاطل على ذاكرة غيري . أتدري معنى المكاشفة في اللغة التي تحدثني بها ؟

إنها تعني الممانعة , وبناء حواجز لم تأت على بال الاسمنت ولا الفولاذ / إنها لغة التجاهل , لذلك إن قذفتْ بمنديلي إليك موجة طائشة سأهجر البحر , سأقاطع الشواطئ ركضا صوب الريح , وسأتنكر لمنديلي وسأهدر دم عطري الذي تسرب اليه غفلة مني .

وفاء لذاك الحرف الذي كان يهدهد النور على ضواحي مدينتنا الساحرة كعهد بغداد.. التي أحبها السندباد .
كتبتُ ما كتبتُ سابقا وأما الآن آن للقلم أن يدخل في الخلوة ليمارس تصوفه بعد أن زهد في حياة الحياة. .
ليس الإبحار كإرتجال الشعر , وليس التخطيط لعبور ضفة أخرى كمراحل نظم قصيدة , وليس تجهيز السفينة لرحلة طويلة كتنقيح نص داهم كاتبه زحفا على رمال لحظة إلهام ..

لذلك ما عبرت إليك الشاطئ وأنا خاوية اليدين من أسباب الأمان إلا حبا لكل ما يتعلق بعالمك الأثير المثير , وما غفوت برهة حين داهم قلبي ا"لنعاس "على ذراعك الوثير , إلا بعد أسلمتك مراسم ثقتي الكبيرة .
لم أبحث عن عذر أتشبث به حين تجفف اللحظات ماء الوجه,, وتتبرج المقاصد على الملآ ,دون أن أتهيأ لتقديم ما تأخر وتأخير ما تقدم , حتى لا ندخل في المساءلة!! .
وكم تزين جيدي العالي بسيرتك "قلادة" ثمينة فحسدتني عليها النساء .
وكم تساقطت لفراقك الدموع من عيني رطبا غدت قوتا لأصحاب الفضول .

تتبعت مسارك في البحر والنهر وخمنت ذات غياب قارص أنك مخبوء في خاصرة السماء حينما علمت أن للسماء أيضا سفينة تبحر عموديا ..طفقت أتنقل بين صفحات قلبك عله يرشدني إليك, لكني أعلم جيدا يا بن ماجد أن العرب حتى الآن ليس لها مركبة فضائية ومعرفتي العميقة بشمائلك الكريمة تطعمني الوقاية من إندساس جمرة الظن في مخيلتي في" أنك" قد تكون أحد رواد المكوك الغربي , وأنك إن فعلت قطعا كنت ستعلمهم ملاحة السماء وكفى بهم ما سرقوه من مؤلفاتك البحرية , وما مازال البحث عنك جاريا في تخوم مهجتي..

والشواطئ تحترق شوقا الى نتوء ظهور مركبك مقبلا إما في ذاكرة بحور العرب المنبثقة من دفاتر الآخرين أم من محيطات الله الواسعة الشاسعة , لم أتوقع أن أكون رهينة انتظار و أسيرة الشوق ووحيدة فكر يعتبره البعض استدعاء ماض خائر القوى, ماض أرهقه الحبر الجاف في حضن الكتب , ماض أهرقه تقادم الزمن في دروب النسيان ..فهم يجهلون الكثير عنا , لا يعرفون أن البحر ما تنفس هديرا إلا بإيماء منك ورمال السواحل ما لمع زجاجها إلا لانعكاس شمسك.. وأنا بين هذا وذاك أقطع أصابع الانتظار وما الانتظار إلا منفذ القصاص فيَ..
فبأي ذنب أُقتل بسيف الانتظار؟.