[CENTER]السلاطينُ العبيد[/CENTER]
منذُ بدء الخليقةِ والسلاطين تتوارثُ سوطَ الهمجيةِ والتعسفِ المشبّعِ بزهو الذاتِ والنرجسية، والعامةُ تتوارثُ أقداحَ الخنوعِ المترعِ بالصمتِ، المصفوفةِ على قارعةِ الزمنِ .
هكذا السلاطين همُ أصنامٌ يمشون على الأرض، كثيرٌ منَ الناس يطوفون حولهم دون الشعور بعبادتهم، يكبّلون الآخرين بعطاياهم، ينهلون منذ القِدم من نهرٍ واحدٍ لا ينضبُ، يصبّ إبليس سلافته ومكره فيه، يتسلقون كالقرود الرشيقة على ظهور بعضهم بعضاً لإدراكهم أن السعادة فوق العرش وهُم يسقطون في وحل الهاوية، فكلما ازدادوا ثراءً ازدادوا فقراً، هُم وحوش باردة يكذبون ويقتلون ببرودٍ. يتمسكون بالحياة كما يتمسك الغريق بقشة وهم من دعاة سَرِقة أنفسهم، هكذا الجدة حمامة كانت تخبرنا عنهم .
أقبلت الجدةُ مُبتسمةً، جلست ونحن ننظرُ إلى شفتيها متى ستبدأ حكايتها التي تأخذنا إلى عالمِ الروعةِ والخيالِ
بدأت الجدةُ تسردُ الحكايةَ فصفّقَ سالمُ، هه .. بدأت السُمّاية. ضحكَ أحمدُ عليهِ وقالَ تفرحُ بالحكايةِ وتنامُ في منتصفها.

قالت : ـــ اللهم صلِّ على النبي العدنانِ، محمداً رسولَي في الأزمان، اللّهم تجيرنا مِنْ كُلِّ سُلطانٍ مُهين، ولا تُملّكهم على العبادِ الصالحين، وترميهم بسهم الذُلِّ يوماً أجمعين .
يا أحفادي يُحكى أنّ سلطاناً يُدعى قحطان، يحكمُ أرضاً عَرضها سنةً مشياً بالخيلِ عليها، والطولُ لها أكثرُ مِن سنتين، لهُ أربعُ زوجاتٍ أنجبنَ لهُ اثنينَ وعشرينَ مِن الولدانِ، كان محبوباً بينَ الناسِ جميعاً يعدلُ لا يُظلمُ في حوزته إنسانٌ يملك جيشاً جرّاراً، والأعداءُ يخافونه ليس بمقدور أيٍ منهم أن يتعدّى على شبرٍ مِن أرضه.
في يومٍ قامَ السلطانُ يُصلّي، إذ بجوارهِ شَخصٌ عِملاقٌ لم يرَ مِثلهُ مِن قبل. خافَ السلطانُ وقامَ ليسألهُ : كيفَ دخلتَ وحُرّاسي في الأبوابِ، فقالَ العملاقُ: أنا مُرسلُ مِنْ ربِّ الأربابِ، مُفرّقُ كُلَّ الأحبابِ، وهادمُ كُلَّ اللِّذاتِ، أدخل في كُلِّ الأوقاتِ، ولا أستأذنُ عند دخولي أحداً من كان.
عرفَ السلطانُ بأنَّ الآتي لهُ مَلكُ الموتِ أتى يقبضُ روحه، قالَ: أمهلني يوماً حتى أوصي الأولادَ؛ ليبقون يداً واحدةً وأقولُ لهم عَن كنزي المدفون. قالَ لهُ الرجلُ العملاقُ: أنا لا أمهلُ أيّ شخصٍ أبداً، واللحظةُ هذهِ آخرَ يومٍ لك في الدنيا ... وماتَ السلطان.
جاء الأولادُ إليه يبكون، وبكى الناسُ عليهِ كثيراً لِما يُعرفَ عنهُ مِن العدلِ وإنصاف المرء.
بعدَ الشهرِ يا قِطع الأكبادِ، بدأْ بين الأولادِ نزاعٌ، على عرشِ السلطانِ، أتى إبليسُ إليهم يلبسُ ثوبَ الزهّاد وصاح عليهم : ما هذا يا أولادَ السلطانِ، أ صراعٌ على الجاهِ وأنتم إخوة؟. استمعوا إليّ، أنا عندي الحلُّ لكم... نظرَ الإخوانُ إليهِ، وقالوا: هذا رجلٌ يبدو الزهدُ عليهِ، حكيمٌ لابدّ لنا أن نسمعُ منه.
قالَ لهم إبليسُ: سأجعلُ كُلًّا منكم سُلطاناً، قالوا: كيف ونحن لنا مملكةٌ واحدةٌ؟ قال لهم: أنتم اثنان وعشرون أخاً، فلنَقسمْ هذا الميراث إلى اثنين وعشرين نصيبٍ ، فيها يكون لكُلِّ منكم بلدٌ هو سلطانٌ فيها.
هتفَ الأولادُ لقد أحسنت .. فهذا حلٌّ لا يقدرُ حتى إبليسُ عليهِ. أرادوا أن يعطوهُ عطاياهم، لكنّه ردّ هداياهم، قالَ لهم: يكفي يا أبناءَ قحطانَ أنْ تسمعوا نُصحي وأكونُ الأقربَ مِن كُلِّ الناسِ إليكم، أحفادي مثلي يبقون لأحفادٍ فيكم .
صاحَ العقلاء منِ الناسُ على ما يجري في أرضِ السلطانِ قحطانَ وقالوا لهم : هذا فيه خطرٌ ستكونون بُلدانٌ متفرّقةً والأعداءُ ستطمعُ فيكم، لكنَّ الأولادَ لم يسمعوا أحداً منهم، قالوا: بل أنتم أعداءٌ ودُعاةَ الفتنةِ بين الإخوان. سألوا إبليسَ قالوا : يا هذا الرجلُ الصالحُ، ماذا نعملُ في هؤلاء القومِ ؟ قال لهم : لا يسمعهم أحدٌ منكم أبداً. هل ترضون بأن يبقى أحّدٌ منكم سلطاناً والباقون بلا سُلطان. قالوا لا، لا ... لابدّ بأن يبقى كُلُّ مِنّا سُلطاناً في بلدٍ .
قام، الأولادُ كُلٌّ يسعى أن يختارَ بلاداً؛ لكنهم ما اتفقوا أبداً منهم، مَنْ كان يريدُ الأرضَ الخضراءِ ولا يرغبُ في الجرداء، وهم لا يدرون أنّ الأرضِ الجرداءِ فيها كنوزاً مدفونة
فأتى إبليسُ يمدّ لهم خارطة السلطانِ وقسّمها بالسيفِ وأجرى القُرعةَ بينهمُ قالَ لهم: كُلٌّ يأخذُ قُرعتهُ المحدودة، فيها بلدتهُ. مَنْ يُحاولُ أن يتعدّى على مُلك أخيهِ أو إرجاع المُلك كما كان لكم في عهد الأب، ليس هو ابن ابيهِ، وامتلك كُلٌّ منهم بلداً .
يا أحبابي مَن أمتلك الأرضَ الخضراءَ بقي يتباهى بما يملك، مَنْ أمتلك الأرضَ الجرداءَ بقي مِنْ فقراءِ الأرضِ .
مرّت سنواتٌ كُلٌّ يحكمُ في بلدٍ. ضعفوا، طمعَ الأعداءُ بهم وبقى الإخوةُ بعد القوةِ والعزّ يرجون مِن الأعداءِ صُلحاً وسلاماً، مِن بعد ما كانوا في الأرضِ مِنَ الأسيادِ ومَنْ حاولَ توحيدَ الإخوة صفٍّا صفٍّا ، قالَوا: عنهُ هذا ليس ابن ابيه.
في يومٍ يا فتيان. مرّ عليهم شيخُ شيوخِ الجان. الغواص أيّام عهدِ الملكِ سليمانَ على أرضِ سلاطين الأرضِ الجرداءِ وهم في فقرٍ يرجون مُساعدةٍ من إخوتهم في الأرضِ الخضراءِ، فقالَ الشيخُ لهم : ماذا لو أجعلكم أغنى مِن إخوانِكُمُ في الأرضِ الخضراءِ.
قالوا : لك ما شئتَ يا شيخُ َالجانِ، ستبقى سيّدنا نحن والأحفادُ فقالَ لهم : عليكم أن تكتبوا لي ميثاقاً ولِمَن بعدي من صُلبي، وتكونوا في الأرضِ عبيداً لي، قالوا : لك عهدٌ منّا يا شيخُ بما شئت.
أخذَ الشيخُ خاتم مُلكه ثم كوى كلَّ واحد منهم بالخاتمِ في ظهرهِ (هذا عبدُ الشيخ مرداس).
أمرَ مِرداسُ كُلَّ عفريتٍ غوّاصٍ مِن جانٍ، أن يحفروا في كل مكانٍ، في الأرضِ الجرداءِ إلى أن ظهرت كُلُّ كنوزِ السلطانِ المدفونة ..
أبتهجَ سلاطين الأرضِ الجرداءِ كثيرا، غنّوا، رقصوا، ذبحوا ما شاءَ لهُ شيخُ الجانِ، وصاروا أغنى سلاطينِ الأزمانِ إلى الآن. أمرَ الشيخُ بحفرِ أخاديداً للكنوزٍ في الأرضِ لتبقى مخازنهم، ثُمَّ أحضرَ أقفالَ الملكِ سُليمانَ وقالَ ستبقى مفاتيحُ كنوزكمُ عندي يحرسها جبابرة مُردٌ من آل الجان. يرمي مِن يأتيها بالرمح ويقذف بالنيران .
صارَ كنزُ الإخوةِ جمعاً لدى شيخُ شيوخِ الجانِ ولم يقدرْ أحدٌ أن يأخذَ مِنه شيئاً إلّا بإذنه .
وصلاتي وسلامي لرسول الله محمد سيد الخلق وإمامي قامت الجدةُ حمامةُ لتعودَ إلى دارها، سألها عبد الحق: ماهي حكايةُ الغدِ يا جدة ردت: حكايةُ ثورِ الشيخِ هدّاش بن ربّاش.
في هذا اليومِ لم ينمْ سالمُ، فكلُّما كان ينعسُ، كان عبد الحق يقولُ له : السلاطين العبيد أقبلوا يوزعون الذهب... فشاهدَ سالم رجالاً يمشون عن بعدٍ، قالَ وهو فرح: نعم إنني أراهم....