قبل أربعين عاما وقع حادث مروري للشيخ جنيد عكيري
وتناثر زجاج السيارة التي كان يركبها وبقيت قطعة صغيرة من الزجاج في
رأسه ولم تخرج إلا قبل أشهر :

من أربعــــينَ أنا قطيــنةُ رأسِه
فكأنـما أنا قطــــعةٌ من مـــاسِه
تالله إن الرأس منـــــه كماسةٍ
فضلـــت وإن تبــدو كهيئة ناسِه
فضلت بتقواه و نبلِ مقــاصدٍ
في الخيــر شيـــَّـدها على آساسِه
قد رقَّ إحساسي فصرتُ كأنَّني
شفافةُ الإحــساس من إحساسِه
شتان ما بينـــي وبيــــنَ بقيةٍ
مني فكــلٌّ آل نحـــوَ جنــــاسِه
أنا من زجاجٍ غيرَ أنيَ جوهــرٌ
كالتبرِ في المقــدار لا كنــــحاسِه
أنا صرت أنبضُ بالحياة لأنني
موهوبةُ الأنفـاسِ من أنفاســــِــه
منذ اختـــبأتُ برأسه وأنا أرى
دفقـاتِ همــَّـــته ونبضَ حمـــاسِه
من أربعين ورأسُه في فــــكرةٍ
من فــكرةٍ وُلدتْ لطولِ مِراسِه
من حكمةٍ في الرأي يقبسُها فما
ضلتْ صـواباً من هدى نبراسِه
في رأسه الأفكارُ جالت فاغتدتْ
فعلاً يُجــــسِّد ما يجـــولُ برأســـِه
تتزاحمُ الخطراتُ فيـــه فينتـقي
ما كــان أنفســَــها لحسـنِ قيــاسِه
ولكـــم خشيتُ بأن أفـارقه إذا
أحسسـتُ من يده رقيــقَ مِســاسِه
ياطالما ركضـــتْ جيادُ عطــائه
فيداه في الإنفـــــاقِ مــن أفراسـِـه
تجري بمضــــمار فما يوما كبت
أو قُيــِّـدتْ بالمنـــــعِ من أمــراسِه
كم خطرةٍ مرتْ عليه فأصبحتْ
عزمـاً يؤكـِّـده فعـــالُ حــــــواسه
لم تهدأنْ منه الهواجـــسُ برهةً
في حـــال يقظـــــته وحــينَ نعـاسِه
لو كرَّ شيطانٌ عليه موســوساً
كــرتْ عليــــه كتـــائبٌ مـن بأسـِـه
متيقظٌ في الحس خيرُ سـلاحِه
ذكــرٌ يُغـــيرُ بــه عـــلى وسواســِـه
هذا جنـــــيدُ مجنداً عزماتِه
في الخيـــر يبـــذره بحــقــلِ غراسِه
وإذا الفقيرُ يرومُ مــنه عطــيةً
يكـــسوه بالإحســانِ خيــرَ لباسِه
لو سحَّ هاطلُه ببلقـعِ عدمه
لأحـــاله المُخـــضرَّ بعــــد يَبــاسِه
سحَّت يداه كمــثلِ غيثٍ وابلٍ
لم يخـشَ في الإنفــــاق من إفلاسـِه
نفذتْ عطاياه كرمـــحٍ نافـــذٍ
في البـخـــلِ صــــــيَّره إلى أرماسِه
يا طالما انتعشـــتْ خلايا راسِه
لعطــــائه كالحــــالِ بعد عُطاسِه
لم تفــتأ الرأسُ التــــقيةُ تتـقي
لـله تخشــــــاه لشـــــدةِ بأسِه
مــــــرت سنينٌ أربعون كأنَّها
حلــــمٌ فما دامـت لذاذةُ كأســِه
مرتْ على عجلٍ وأسرع لبثُها
كالسـَّــــهمِ حين يندُّ من أقواسـِه
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي