حاولت النوم كثيرا دون جدوى
أبت جفوني أن تتلاقى

أسكنتها ظلاما دامسا علها تخشع وتذعن ولكن لم تستجب لي أبدا

شبح فعلتي الشنيعة مازال يطاردني ويمنعني النوم اشعر بأن حملا ثقيلا يرسخ فوق صدري كالوحش الكاسر الذي يشل حركة فريسته ساعة انقضاضه عليها

لاأدري كيف سولت لي نفسي فعل ما فعلت !

لقد اغتلت الليلة بناتي .. لا بل اغتلت بعض نفسي .. بل كل نفسي

أنا من حرضهن على الانتحار أنا من أقنعتهن بذلك ما هن إلا صغيرات بريئات لا يملكن إلا أن يذعن لأمري

أردت دوما وأدهن ، أردت وأدهن حتى قبل أن يولدن ولكنهن أبين إلا أن يأتين ويعشن بين جنباتي ويأخذن مساحة كبيرة من وجداني ويملأن ذاكرتي

شريط أحداث جرمي المشهود يمر أمام عيني المثبتتين في اللا مكان

لقد أضمرت النية منذ الليلة السابقة وحاولت جاهدة إخفاء الأمر عنهن ونجحت .

في طريق عودتي من عملي اليوم عرفت كيف أقنعهن بالانتحار أردت لهن دوما انتحاراً مشرفا كانتحار كليوباترا

ترى هل انتحرت كليوباترا بملء إرادتها أم تحقيقاً لرغبة آخرين ؟

نعم إن هذا الجسر الرومانسي الحالم هو أفضل مكان يقضين نحبهن من فوق سياجه ليذوبن ويتلاشين بين أمواج هذا البحر الكبير

يا ألهي ماذا فعلت ببناتي .... لقد اغتلت بالفعل بنات أفكاري قررت ودبرت وأمرت وهن أذعن .

لم يعد لهن مكان بدنياي كنت سأشقى برؤيتهن يتجمدن ويتحولن صخرا ثم ينحدرن من أعلى جبال واقعنا ليتفتتن حطاما أمام عيني حقا لم أكن لأقوى على متابعة هذا المصير ولا لأي منهن

حسناً... يبدو أن عيناي لن تطاوعني الليلة أبدا ، أرى بعض النسمات يحاورن ستائر باب شرفتي لعلهن أتين لي بخبر عن بناتي من أمرتهن بالانتحار فما كان منهن إلا أن أجبنني إلى طلبي راجين سعادتي حتى بدون صحبتي

سرت بخطىً ثقيلة إلى الشرفة ....

المكان هنا يلفه ظلام دامس وسكون شديد تبدو ليلة مناسبة لمأتم حقاً هكذا خيل لي

يخيل لي أن الليل يشاركني أحزاني ويتشح السواد الليلة من أجلي أنا ، أشباح أفكاري تطاردني ......

ترى أيحق لي فعلا ما فعلته بصغيراتي البريئات ؟

لم يجلبن لي إلا السعادة كن يرسمن البسمة دوما على شفتي ببراءتهن أضأن وجهي دوما بنور ملائكي ، ساعدنني كثيراً على مواصلة السير لمسافات طويلة وصعود درجات أنهكني صعودها وحدي.

اقتربت مني تلك النسائم وداعبت شعري في اقتضاب وسرعة ظننتها في البداية تسري عني إلا أني اكتشفت أنها تلعنني وتود لو كان بها قوة رياح الشتاء لتصفعني بشدة

خفت منها ، ... تجاهلتها ، فلعناتها ارحم بي من أشواك سريري لا أريد لعودة إليه الآن أبدا

نظرت في السماء حاولت أن اخترق حاجزي البصري تمنيت لو تضاعفت قوة إبصاري أريد أن أرى خلف حدود هذا المكان .. هذا العالم

أخيرا تراءت لي إحدى النجمات لاأعلم إن كانت طرقاتها الضوئية تسرية عني أم دمعاً تذرفه حزناً على فراق حبيباتي .

نعم انتحرت بنات أفكاري اليوم يجب أن أؤمن بأن هذا ما طلبت وأنهن أذعن لمطلبي ، فمثلهن لا يعرفن ما هو الموت ولا يسعين إليه ، أنا من وأدتهن وحتى لم أقوى على فعل ذلك بيدي بل أرسلتهن لينتحرن بعيدا عن ناظري

شلال أحزان يغمرني ، فراقهن يمزقني ، ولكن وجودهن كان شقاءً لي ولهن .


لا اعلم أن كنت أخطأت بحقهن أو ظلمتهن ولكني أردت حماية براءتهن ... اغتلت تواجدهن حفاظا على نقاء أرواحهن ، شفافيتهن الشديدة لن تمكنهن من الصمود طويلاً ، لم أرد لهن الانكسار يوماً

سأعيش دوماً أتذكرهن اضحك لرقصاتهن المجنونة ، نظراتهن الحنونة ، ضحكاتهن العابثة ، سأشتاق لتلك العيون اللامعة.



--------------------------------------------------------------------------------