حكايتي مع المساجد

بدأت حكايتي مع المساجد في السادسه من عمري كنت أتبع جدي بصحبة خالي لأداء الصلاة في مسجد القرية التي كنا نعود إليها في الإجازة الصيفية كل عام لرؤية الأهل ، وكان لطقس صلاة الفجر عند جدي رونق لم تستطع الأيام أن تمحوه من ذاكرتي فيبدأ في الإستعداد قبل الصلاة بوقت كاف ويهيء نفسه ويلبس جلبابه ويصلي ركعتين قبل أن يتجه للمسجد ونحن وراءه ومن ثم يجلس بعد الصلاة حتي ينتشر الضياء ويعود إدرجه ليجد جدتي قد حضرت إفطارا غنيا كنا نعتبرة جائزة .
أما يوم الجمعة فكان مختلفا حيث نستعد إستعدادا خاصا ونغتسل ونلبس ملابس مميزه ونذهب بعد أن يغادرنا جدي لنلحق بالخطبة والتي ما زال بعضا منها عالقا بذهني خاصة الجزء الذي كان يكرره الخطيب كل جمعه ويحفظه عن ظهر قلب ( إن الدنيا دار ممر وإن الأخرة دار مقر فخذوا من ممركم لمقركم ) فهذا الجزء بالذات كان ينبئنا بأن الخطبة علي وشك الإنتهاء وكنا نسعد بسماعه كوننا صغارا وسنعود للهو بعده مباشرة
ومرت أعوام قبل أن إدرك من جديد أن لي قصة مختلفة مع المسجد كنت صبيا ما بين العاشرة والثانية عشر حين هب شباب الحي الذي اقطن فيه بالمدينة برفع القمامة من قطعة أرض كنا نطلق عليها ( الخرابة ) وقاموا برشها وضع رمال بها ومن ثم بناء سور خشبي حولها وفرش بعض الفرش لأعدادها لصلاة التراويح وقد كان رمضان علي الأبواب وبعدها ساهم جميع أبناء الحي في جمع بعض التبرعات وبناء المسجد الذي أرتفع لثلاث أدوار ليضم عيادة مجانية ودار تحفيظ وتعليم ، وزاد إرتباطي بالمسجد لأصبح مسؤلا مع بعض الشباب عن نظافته وبعدها بدأنا نعقد بعض الجلسات الدينيه ،
ثم تمر أعوام قبل إنهي دراستي الثانوية وفي إحدي سفراتي ما بين العاصمة ومدينتي الأسكندرية وجدت نفسي أهبط من القطار في محطة طنطا ، تملكني الشغف لأري مسجد السيد البدوي ذاك المسجد الذي طالما قرأت وسمعت عنه وعن صاحبة وتوجهت من فوري للمسجد وصليت الظهر ولم أجد ما يشدني لمعاودة الكرة فهو مسجد مثل أي مسجد جل ما هناك بعض الخرافات التي تحيط بالشيخ المسجي في مقبرة ملحقه بالمسجد ،
ومرت سنوات درست خلالها في الكلية وحيث كنت أمضي معظم يومي بين جدرانها فقد أصبح المسجد الصغير مزارا معتادا طيلة اليوم في وقت كل صلاة ورغم ضيقة وعدم عناية أحد بنظافته إلا إنه كان الملجأ الوحيد لكل من كان يحافظ علي صلاته،
وحين سافرت بعد تخرجي بعدة أشهر إلي السعوديه كان شغلي الشاغل أن أصلي في البيت الحرام وقد تحقق لي هذا بعد وصولي بعدة أيام فقد نويت العمرة وتوجهت صوب مكه ، ولا أستطيع وصف لحظة لقاء بصري بالكعبة المشرفة للمرة الأولي كان الحلم الكبير الذي تحقق ظللت في نشوة تملكتني حتي بعد إنتهاء العمرة وعودتي لجدة، وشلغتني أمور العمل سنة كاملة حتي أطل موسم الحج فتوجهت وكلي شوق ولهفة لأداء الفريضة وانتابني نفس الشعور المبهج الوجل وأيقنت حيناها أن هذا الشعور مرتبط بالبيت وليس بحالتي او حالة غيري،
ثم تلا ذلك زيارة لمسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم وكم أحسست بالسكينة والأمان النفسي بين جنبات هذا المسجد وصليت يومها في الروضة الشريفة وكان بودي لو أستطيع إلا أفارق المكان ،
أما أطرف ما حدث لي فكان في أحد مساجد جدة حين سرق حذائي وأضطررت لشراء أخر من علي رصيف نفس المسجد تمزق قبل وصولي للبيت ،
ومرة أخرى كنت قد عدت في نهاية شهر رمضان إلي وطني وذهبت لصلاة التراويح بعد أن اتخمت معدتي بتناول فطور شهي أعدته والدتي رحمة الله عليها ، ولم أكن أعلم أن هذا الإمام يطيل الصلاة حتي منتصف الليل وكان للزحام الشديد وموقعي في الصف الأول حائلا بيني وبين مغادرة الصلاة حتي إنتهت الصلاة وأنا في منتهي الإعياء،
أما أخطر ما مررت به فقد كان أثناء تفقدي لمآذنة أحد المساجد ضمن فريق أشراف خاص بعملي المتعلق بالمقاولات فقد اصبت بدوار حين طالعت الأرض من أعلى المآذة وكدت أسقط لولا ستر المولي عز وجل ،
وتبقي خصوصية علاقتي بالمساجد بيوت الله في أرضه تمنحني الكثير من الذكريات العطرة والمواقف التي تداعب ذاكرتي من آن لأخر
أشرف نبوي