(عندما ينتحب الوتر يصمت الناي حنينا إلى الشجر ويعشب الكمان نشيجا للبشر)
هذه مرثية في أخي الشاعر السندباد محمد قلتها في حياته وكان معجبا بها قبل رحيله عنا سنة2010 رحمه الله
هَيَّجْتِ في الوَجَعِ اللَّيْلِي أَعْمَاقَا
عِنْدَ الرَحِيْلِ فَهَاجَ القَلْبُ أَشْوَاقَا
أَوْقَدْتِ فِيْهِ مَصَابِيْحَ الهَوَى أَمَلاً
يَفْتَكُّ للْغَفْوَةِ الخَضْرَاءِ أَحْدَاقَا
أَطْعَمْتِ للْعَالَمِ اللَّيْلِي أُغْنِيَتِي
فَاسْتَنْزَفَتْ كَبِدِي حُزْناً وَ إِحْرَاقَا
تَمَهَّلِي لَمْ يَعُدْ خَمْرٌ بِخَابِيَتِي
أَوْ عَادَ كَأْسَ الهَوَى رَيَّاً وَتِرْيَاقَا
تَحَجَّرَتْ في مَدَى النَشْوَى مَوَاجِعُنَا
فَمَا اسْتَطَعْتُ لَهَا في البَوحِ إِنْطَاقَا
حُمِّلْتُ جُرحاً ؛؛ قَلِيْلٌ مَنْ يُكَابِدُهُ
فَلَمْ أُطِقْ حَمْلَهُ كَرْهاً وَإِرْهَاقَا
أَمَّلْتُ للبَوحِ في عَيْنِيْكِ أَزْمِنَةً
جَاءَتْ عَلَى قَدَرٍ تَنْسَابُ أَجْوَاقَا
حَوَتْ رُؤَاهَا خَوَابِي الحُبِّ قَافِيَةً
تَدُقُّ في مَوسِمِ الأَسْرَارِ أَبْوَاقَا
فَقُمْتُ للْبَابِ أَسْتَجْدِي مَغَالِقَهُ
أَفُكُّ في القَلْبِ أَقْفَالاً فَمَا رَاقَا
أَبَى النُّهُوضَ لَهَا فَاسْتَفَّ حَمْأَتَهُ
حَتَّى تَلَاشَى حُطَاماً بَعْدَمَا ضَاقَا
فَرَنَّ في أُذُنِي صَوتٌ عَلَى وَتَرٍ
أَفِقْ فَلَا تَبِعَنَّ الوَجْدَ إِشْفَاقَا
أَتَشْتَرِي لِنَخِيلِ العُمْرِ وَشْوَشَةً
وَتَرْتَجِي لِكُرُومِ الشَّوقِ إِيْرَاقَا
رُؤَى السَوَاقِي بِنَبْعِ الوَصْلِ عَائِدَةٌ
فَلَا تَسَلْ سُحُبَ الأَوْهَامِ إِغْدَاقَا
أَجَلْ تَمَهَّلْ فَكَفُّ الصَّيْفِ نَازِحَةٌ
فَحَمَّلَتْ سَرَّهَا وُرْقاً وَ أَوْرَاقَا
مِنْكَ الصَحَارَى سَتَرْبُو بَعْدَمَا ظَمِئَتْ
لَا تَرْتَجِي في سَرَابِ الغَيْمِ أَوْدَاقَا
فَعُدْتُ لِلْهَمِّ أَسْتَحْلِي مُلُوحَتَهُ
مُسْتَو جِساً في ظَلَامِ العُمْرِ إِشْرَاقَا
حَتَّى تَدَثَّرَ قَلْبِي في حَرَائِقِهِ
فَاسْتَنْبَتَتْ بِرَمَادِ الرُّوحِ أَعْذَاقَا
جُرِّعْتُ في وَهَجِ البَلْوَى وَ حِلْكَتِهَا
كَأْساً دِهَاقاً بِنَزْفِ الجُرحِ رَقْرَاقَا
أَدْمَنْتُ في نَشْوَةِ الذِّكْرَى مَوَاجِعَنَا
طَرَّزْتُ فيها نَسِيجَ الهَمِّ أَنْسَاقَا
أَجْتَرُّ حُزْنِي وَأَوْهَامِي أُصَدِّقُهَا
نَذَرْتُ عُمْرِي لَهَا بِالنَّبْضِ مِصْدَاقَا
بَصَّرْتُ ضَيَّعْتُ طَيْرَ العُمْرِ في وَجَعِي
فَلَمْ أَجِدْهُ بِدَوْحِ الذَّاتِ زَقْزَاقَا
إِنَّ الطُّيُورَ مِنَ البَلْوَى مُهَاجِرَةٌ
نَحْوَ البِّحَارِ تَبِيْعُ الشَّدْوَ إِزْقَاقَا
فَأَحْتَبِبي بِرُؤَى الأَوْكَارِ مُتَّشِحاً
أَشْجَارَ حُزنٍ فَأَذْوَتْ فِيَّ أَوْرَاقَا
سَأَدْخُلُ العَالَمَ اللَّيْلِيَّ مِنْ وَجَعِي
إِذَا الأَسَى بِمَدَى عَيْنِيْكِ قَدْ حَاقَا
وَأَبْدَأُ الرِّحْلَةَ الأُوْلَى إِلَى مُدُنٍ
إِسْتَوْقَدَتْ في دُجَى الأَعْمَاقِ آفَاقَا
أَبُثُّ في الظُّلْمَةِ الدُكْنَاءِ مَحْنَتَنَا
لِأَيمّا نْجْمةٍ تَفْترُّ إِبْرَاقَا
نَثرتُ شَوقي عَلَى دَرْبِ الهَوَى أَمَلاً
فَمَا رَأيْتُ بِزَهْوِ الدَّرْبِ عُشَّاقَا
نَحَرْتْ وَجْدِي عَلَى الأَبْعَادِ في غَسَقِي
تَرَقُّباً رُيَّما أَطْلَلْتِ إِشْرَاقَا
رُغْماً وَقَفْتُ أَصُدُّ البَّابَ مِنْ خَجَلِي
في وَجْهِ ذَاكِرَةٍ تَلْتَاثُ إِخْفَاقَا
فَتُهْتُ في قَلَقِ الظَّلْمَاءِ مُخْتَزِلاً
عُمْقَ الدَوَاجِي أُغَذِي الخَطْوَ أَشْوَاقَا
أُفَتِّشُ القَلْبَ عَنْ أَطْلَاءِ أُغْنِيَةٍ
قَدْ خَدَّرَتْ في دَيَاجِي الذَّاتِ أَذْوَاقَا
أَشْتَمُّ رَائِحَةَ الذِكْرَى وَ أَلْعَقُهَا
حتّى ارْتَخَتْ في دَمِي حَرْقاً وَإِصْعَاقَا
فَلَاحَ منكِ بَرِيقُ الحُبِّ مُلْتَحِفاً
غَابَاتِ شُوقٍ تَمُدُّ الحُلْمَ أَوْرَاقَا
فَاسْتَنْكَرَ اللَيْلُ في الأَنْوَاءِ دَالِيَتِي
وَاحْمَضَّ فيها الهَوَى غُصْناً و أَعْذَاقَا
حتَّى تَعَثَّرتِ الأَطْيَافُ في وَجَلٍ
فَغَادَرَتْ بَعْدَهَا الأَشْبَاحُ أَنْفَاقَا
تَكَوَّمَتْ خَلْفِيَ الظَّلْمَاءُ لَاهِثَةً
و كَحَّلَتْ بِدَمِ القُرْبَانِ أَحْدَاقَا
رَاحَتْ تَعُبُّ كَؤُوسَ الليلِ مِنْ كَبِدِي
و فَتَّحَتْ لوحوشِ النَّزْفِ أَشْدَاقَا
تَمْتَصُنِي في بَقَايَا الكَأْسِ مُعْتَصَراً
ثُمَّ انْتَشَتْ فَتَلَاشَى الحُلْمُ إِزْهَاقَا
أَقْفَلْتُ مِنْهَا أَجُرَّ الخَطْوَ مُرْتَعِبًا
لِوَجْهَةِ البَّابِ مَذْعُوراً وَمُشْتَاقَا
أَلْصَقْتُ خَدِّي بِقَفْلِ البَّابِ مِنْ وَجَلِي
رَجَّتْ مَغَالِقُهُ لَمْ تُبْدِ إِشْفَاقَا
قَبَّلْتُ وَجْنَتَهُ أَلْصَقْتُ ذَاكِرَتِي
بِهِ فَلَمْ يجدِنِي فَاهْتَجْتُ إِلْصَاقَا
أَفَقْتُ مِنْ عَتَمَاتِ الوَهْمِ أَلْعَقُهَا
فَمَا اسْتَطَعْتُ لِهَذَا البَابِ إِغْلَاقَا
فَصُحْتُ في الدُكْنَةِ العَمْيَاءِ مُغْتَسِقاً
إِنِّي أَضَعْتُ بِدَوْحِ الذَّات إِشْرَاقَا
فَعُدْتُ لِلْعَتَبَاتِ السُّوْدِ أُنْشِدُهَا
فَفَتَّحَتْ زَهَرَاتِ الذَّاتِ أَطْوَاقَا
فَلَاحَ مِنْ مُقْلَةِ الدَكْنَاءِ هَاجِسُنَا
بِالوَجْدِ مُشْتَعِلاً يَرْتَادُ أَحْدَاقَا
يَسْتَقْرِئُ القَلْبَ أَغْصَاناً وَ أَجْنِحَةً
حتّى يُجَدِدَ فِيْهِ الوَصْلَ مِيْثَاقَا
فَاحْتَارَ قَلْبِي خَجُولاً في تَسَاؤُلِهِ
يَا أَنْتِ مَنْ يَهِبُ الأَحْلَامَ إِعْتَاقَا
فَأَيْقَظَتْنِي عَرُوسُ البَدْرِ في حَلَكِي
يَا إِنْسُ لَا تَنْبُشَنَّ الغَيْبَ إِطْلَاقَا
مَاذَا يُفِيْدُكَ جَلْدُ الذَّاتِ في حَلَكٍ
تُدْمِي عَلَى الوَطَن المَفْقُودِ أَعْمَاقَا
كَالنَّخْلِ يُخْفِي بِغَورِ الطَّلْعِ خُضْرَتَهُ
عَنْ زُرْقَةِ البَحْرِ لَوْ أَفْشَاكَ أَعْذَاقَا
كُلُّ العَرَاجِيْنِ قَدْ خَبَّئْتَ سُمْرَتَهَا
لِغِلَّةِ المَوْسِمِ المَوْعُودِ أَطْبَاقَا
مَاذَا عَلِيْكَ إِذَا أَفْضَيْتَ آخِرَهَا
لِرَقْصَةِ المَوْتِ لَو أَدْمَنْتَ أَشْوَاقَا
سَتَرْحَلُ الآنَ في سَرْدَابِ أُغْنِيَةٍ
لاَ تُمْطِرُ العُمْرَ إِلّا الآهَ أَوْدَاقَا
قَدْ خيَّبتْك مَوَاوِيْلٌ تُرَدِّدُهَا
مِنْ جُرْحِ أَزْمِنَةٍ زَادَتْكَ إِمْلَاقَا
غيّبْتَ في جُرْحِكَ المَسْعُورِ وَصْلَتَهُ
أَوْدَعْتَهُ حَسْرَةَ الأَيَّامِ مِصْدَاقَا
لَا تَقْفُ مَا كَانَ لِلْأَحْلَامِ وِجْهَتُهُ
تَمْضِي الرُّؤَى وَتَظَلُّ العُمْرَ مُشْتَاقَا
كَمْ ذَا سَأَلْتُكَ كَفَّ النَّزِ في شَجَنٍ
فَالجُرْحُ أَنْتَ وَحَاشَا الجُرْحُ مَا ضَاقَا
كُلُّ الكَرَانِيْفِ في نَجْوَاكَ عَاكِفَةٌ
أَسْكَنْتَهَا الخُوثَ أَلْوَاناً وَ أَنْسَاقًا
لَمْ يَبْقَ في نَبْضِ مَنْ جَفَّتْ مَوَاجِدُهُ
إِلاّ رُؤَاكَ إِذَا أَغْفَلْتَ مِيْثَاقَا
هِيَ العُيُونُ مَتَاهَاتٌ سِرَادِبُهَا
بِالوَهْمِ مُظْلِمَةٌ تَغْتَالُ إِشْرَاقَا
نَبْضُ السَّوَاقٍي عَلَى وَاحَاتِ ذَاكِرَتِي
تَسْقِي رُؤَاكَ وَ تَسْتَسْقِيْكَ أَوْدَاقَا
وَجْهُ المَرَايَا يُعَرِّي طَيْفَ غُرْبَتِنَا
تُفْشِي مَلَامِحُهُ هَمّاً وَ إِطْرَاقَا
مِنْهُ شَظَايَا كُؤُوسِ الغُرْبَةِ انْتَثَرَتْ
بِالذَّنْبِ تَجْرَحُنِي لَمْ تَعْفُ مُشْتَاقَا
فَرَحْتُ أَجْدِلُ مِنْهَا خَيْطَ مِحْنَتِنَا
في مَنْسَجِ الآهِ قَدْ حَاكَتْهُ أَوْثَاقَا
وَحْدِي تُكَفٍّنُنِي الرُؤْيَا بِيَقْظَتِهَا
بِالشَّوقِ أَمْضِي وَخَلْفَ الحُلْمِ مُنْسَاقَا
إِنِّي هُنَا كُلَّمَا أَرْسَلْتُ أُغْنِيَتِي
لِلْبَحْرِ يَرْتَابُ هَذَا المُوْجُ خَفَّاقَا
إِنّي هُنَا كُلَّمَا ضَنَّتْ سَحَائِبُهُ
سَفَحْتُ خَابِيَتِي لِلْنَّخْلِ إِهْرَاقَا
أَمْضِي وفي مُقْلَتِيَّ الشَّمْسُ سَاطِعَةٌ
رَغْمَ المآسِي رَمَتْ لِلْعُمْرِ غَسَّاقَا
مُسْتَفْرِداً بِجِرَاحِ النَّايِ في كَبِدِي
كِي يُزْهِرَ الحُلْمُ أَغْصَاناً وَ أَوْرَاقَا
كُفِّي فَأَنْتِ الَّتِي هَيَّجْتِ ذَاكِرَتِي
مَا عَادَ صَبْرٌ يُعِيْنُ القَلْبَ لَوْ تَاقَا
عُوْدِي وَلَا تَدَعِي قَلْبِي بِلَا وَتَرٍ
عَلَى صَلِيْبِ الرُؤَى يَجْتَرُّ أَشْوَاقَا
مَا عَادَ في مُسْتَطَاعِي حَمْلُ ذَاكِرَةٍ
تَلْتَاعُ في حَمْأَةِ التِّذْكَارِ إِحْرَاقَا
مَا عَادَ في وَجَعِي مَا كَانَ تُقْلِقُهُ
قَوَافِلُ المِلْحِ إِذْ ضَيّعْتُ آفَاقَا
قَدْ بَاعَ يَا لَيْلُ مِلْحَ الرُّوْحِ في أَدَبِي
هَذَا الضَّيَاعُ أَحَالَ الأَرْضَ أَسْوَاقَا
حتّى تَوَزَّعَنِي هَمُّ أُكَابِدُهُ
في بَحَّةِ الشَّدْوِ لَا أَرْوَى وَلَا رَاقَا
أَسْتَوْطِنُ الجُرْحَ مِنْ أَيَّامِ أُلْفَتِنَا
لكنّني كَمْ بِهِ أَزْدَادُ إِرْهَاقَا
كَمْ ذَا سَأْلتُكِ لِلْرُمَّانِ أَزْمِنَةً
يَخْضَرُّ فِيْهَا فَكَمْ قَدْ حَنَّ وَاشْتَاقَا
يَا غُرَّةَ البَدْرِ مِنْكِ النُّورُ طَمْأَنَنِي
وَالدَّرْبُ صَالحَنَيِ وَالبَحْرُ مَا طَاقَا
أَمْضِي وَحِيْداً وَمَاءُ العُمْرِ يَسْفَحُهُ
بَحْرٌ تَخوَّفَهُ المَلَّاحُ إِغْرَاقَا
مَالِي سِوَى بَحَّةِ النَّايَاتِ أُرْسِلُهَا
مَخْضُوبَةً بِدَمِي إِذْ نَزَّ إِيْرَاقَا
هَذَا دَمِي لَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ تَسْكُنُهُ
ذِكْرَى مَرَايَاكِ تَسْتَجْلِيْهِ إِصْعَاقَا