| 
 | 
أيُّها القبْرُ في الترابِ هنيئًا  | 
 صِرْتَ أسمَى مِنْ أنجُمٍ نيِّراتِ | 
نِلتَ مِنْ حُظوةٍ، ومِنْ درَجاتٍ  | 
 فاعْلُ بينَ القصُورِ، والغُرُفاتِ | 
كنتَ بعضَ الأديمِ فوق ثرَاها  | 
 فإذا أنتَ مَنزِلُ الرَّحمَاتِ | 
فيكَ ما في الصباحِ مِنْ جَلَواتٍ  | 
 فيكَ ما في الضِّياءِ مِنْ وَهَجاتِ | 
فيكَ وحْيُ الإلهِ باتَ خليلًا  | 
 فيكَ إرْثُ النبيِّ والدَّعَواتِ | 
وإليكَ انتهَى الصلاحُ أنيسًا  | 
 والهُدَى غاشِيًا، ونورُ الصلاةِ | 
أيُّها القبرُ مُذْ ثوَى القرَضَاوِي  | 
 بينَ جنبيكَ لمْ تعُدْ للمَمَاتِ | 
حَلَّ فيكَ، فجاورتْكَ المعالِي  | 
 وحياةٌ أتَتْكَ فوقَ الحياةِ | 
قدْ حوَيتَ مُوَدَّعًا هوَ مِنَّا  | 
 حَبَّةُ القلبِ والحِجا، والحشَاةِ | 
قد طَوَيتَ الفؤادَ فهوَ طريحٌ  | 
 بينَ تلكَ الرِّمال، والحصَياتِ | 
أيّ ذكرى حمَلْتها أيُّ مَعنى  | 
 سابحِ الفكرِ سانِح الأمنياتِ | 
ما ادَّعيناكَ في القبورِ مَزارًا  | 
 لا ولا كنتَ مَوئلَ القرُباتِ | 
إنما حُزتَ في النفوسِ حبيبًا  | 
 طاهرَ الثوبِ سابغَ الملَكاتِ | 
رجلَ الحقِّ والجهادِ حصورًا  | 
 مَنهلَ العلمِ صادقَ العزماتِ | 
جدَّدَ الدينَ، واحتوَى الفقهَ لمّا  | 
 كانَ في الفقْهِ نافذَ النظراتِ | 
وابتغَى العدْلَ، والتوسُّطَ نهْجًا  | 
 فرعَى الدينَ بالهُدَى والثباتِ | 
كم أنارَ العقولَ لمَّا رآها  | 
 سادِراتٍ في حالِك العتَماتِ | 
كم أسَا أنفسًا لدَى نزَواتٍ  | 
 وشفَاهَا مِن نازغِ الشهواتِ | 
بِدليلٍ مِنَ الكتابِ حكيمٍ  | 
 وعظيمٍ مِنْ واضحِ الآياتِ | 
أيُّ فَذٍّ في أمَّةٍ كانَ فيها  | 
 باعثًا مجدَهَا منَ الظلماتِ | 
سلْ رُبوعَ البلادِ عنهُ مُطيفًا  | 
 سَلْ أثيرَ السَّماءِ، والقنواتِ | 
سلْ بهِ مسجدًا، إليهِ تهادَى  | 
 سَلْ بهِ منبرًا لدى الجمُعاتِ | 
سَلْ جموعًا قلوبُها واعياتٌ  | 
 يومَ نادَى بأحرفٍ صادقاتِ | 
سَلْ مِدَادًا بعلمِهِ قدْ تراءَى  | 
 كجبالٍ مِنَ الهُدَى راسِياتِ | 
زهرَاتٍ منَ المآثرِ فيهَا  | 
 كتبَ النورُ أسْطرًا مِنْ عِظَاتِ | 
وسقَاها منْ حِبْرهِ سبَحَاتٍ  | 
 منْ علُومٍ كأبحرٍ زاخراتِ | 
سِفْرُ أوراقِها بمسْكٍ تسَامى  | 
 بالقلوبِ وَقرَّ في الجنَباتِ | 
لا غُلوَّ، ولا تطرُّفَ فيها  | 
 لا جحودَ لصَفوَةٍ، وثقَاتِ | 
لا خُنوعَ لذي العروشِ بُغاةً  | 
 لا رُكونَ لظَالمينَ طُغاةٍ | 
سيِّدٌ صانَ للشريعةِ حُكما  | 
 ورَعَى حَدَّها وللحرمَاتِ | 
ورأى القُدْسَ دُرَّةً وتمنَّى  | 
 لو ثوَى قبرُهُ لدى العَرصَاتِ | 
أيُّهَا القبرُ، والكنانةُ قُصْوَى  | 
 طِبْ بأرضٍ سَليلةِ الجنَّاتِ | 
إنْ تكنْ شَطَّتِ الديارُ مَزارًا  | 
 قَطَرٌ أرْضُهَا رِبَاعُ الصِّلاتِ | 
رحِمَ اللهُ نائمًا في ثرَاها  | 
 ساكنًا قلبَ كلِّ ذِي دَعَوَاتِ |