منذ اللحظةِ الأولى
حين نُفختِ الروحُ في الطين،
وعلَّمَ اللهُ آدمَ الأسماء،
وسُفكَ الدمُ بجريمةٍ كبرى...
توالت الرسالات،
تدعو إلى الهُدى، وتُرسّخُ الدين،
رُسلٌ تعاقبوا على الأرضِ عظماء،
حاملين شرائعَ الحق والتقوى،
بين قومٍ جحدوا، وقليلٍ آمنوا،
لكنهم صبروا، وما بدّلوا.
يوسف
من رؤيا طاهرة... إلى بئرٍ غادر،
ومن قميصٍ ملوَّثٍ بالدم،
إلى قميصٍ ممزّقٍ من دُبُر،
ثم سجنِ ظلمٍ عاشهُ بصبر.
دخل الصدِّيقُ السجنَ ظلمًا،
بذنبِ زليخةَ، والعزيزُ حكمًا،
فاشتهرَ بصلاحِه وصدقِ سريرتِه،
عفيفًا، يؤوِّلُ الرؤيا، وحليمًا.
جاءهُ الخبّازُ والساقي،
فدعاهم لدينِ اللهِ ووحدانيته،
ففسّرَ حلمَهم، وكان اللهُ به عليمًا.
فكان العزيزُ لحُلمِه مستفسرًا،
سائلًا مصرَ جميعَها، ومنتظرًا،
فأوّلَ الصدِّيقُ حُلمَ الملكِ بحكمةٍ،
عن أعوامِ شِدّةٍ يتبعها رخاء،
فنجّى اللهُ الكنانةَ من الهلاك،
وكان ليوسفَ فضلٌ واصطفاء.
لتعترفَ النسوةُ ببراءةِ الملاك،
رحمةٌ من اللهِ... شِدّةٌ ثم نِعمة.
دامَ القحطُ سبعَ سنين،
وعمَّ الأرضَ — كمصرَ وفلسطين،
فخرجَ إخوةُ يوسفَ للكنانةِ،
يدخلونها... والصدِّيقُ بيدهِ مفاتيحُ الخزانة.
عرفهم، لكنْ ما أفصحَ السرَّ،
وردَّهم بحِلمٍ، بطلبِ أخيهِ الأصغر... بنيامين.
فأبى يعقوبُ في أوّلِ الطلب،
وقال: أخافُ عليهِ من ذئبٍ إذا ذهب،
فأقسموا باللهِ عهدًا مُحكمًا،
فرقَّ قلبُ الشيخِ، وأرسلهُ مُسلِّمًا.
اتهموا الصغيرَ بسرقةِ الكأس،
فرجعوا إلى أبيهم خائبين.
فكان صبرُه جميلًا، لا يأس،
وبكى... ففقدَ نورَ البصر،
لكن قلبًا مؤمنًا بالقدر،
يرجو الإلهَ — أرحمَ الراحمين.
رجعوا ليوسفَ يرجونَ الرأفة،
حليمًا بأبيهِ، ثمَّ إخوتِه، في خَجلِ الوقفة،
أعطاهمُ القميصَ، ليَرجعوا
نحوَ فلسطين، فيَلقوا
على الضّريرِ ثوبَ البصر،
ويأفِلوا إليه، والعفوُ حَضَر.
فجاء وعدُ الحق،
ورُفِعَ أبواهُ على العرش،
وسجدَ له إخوتُه، شكرًا وتكريمًا،
فتحققت رؤياه،
وجعلها اللهُ له حقًّا،
لقوله تعالى:
{يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}
— [سورة يوسف: 4]
صدق الله العظيم.
يتبع....