وبعدَ يونسَ ذي النونِ،
وعبرَ الثوابِ لمن أنابْ،
كما الجَزاءُ بها مَقرونٌ،
مثلُ دعاءِ يونسَ المُستجابْ،
تبدأ رحلة جديدة، حيث تظهر الآيات وتتجلى العلامات...
تجلَّتْ آياتُ اللهِ في مِصرَ دهرًا،
مَهدُ رُسُلٍ بني إسرائيلْ،
حكمَها فرعونُ بَرًّا وبحرًا،
طغى كفرًا، فجاءَ التنزيلْ.
وفي قلب هذا الظلم، بزغ نورٌ جديد...
فجاءَ موسى بشرى المُستضعَفين،
وكَسْرًا لعُتُوٍّ طالَ السنينْ.
جبروت فرعون ، ورؤيا الظنون
في مصرَ ظلَّ فرعونُ طاغيًا،
جبارًا، والعدلُ في كفِّه دخانَا،
جاءتهُ رؤيا العرشِ رحيلاً،
فاهتزَّ خوفًا، وفُسِّرتْ رؤياهُ يقينًا،
قيل: يُولدُ لملكِك صبيًّا عديلًا،
فبدأ إماتةَ النسلِ أولادَا،
يُدمي الأكبادَ، جيلاً بعدَ جيلا
لكنَّ الحكمة الإلهية أبدًا لا تخذل...
كان فرعونُ بجبروتهِ عقيمْ،
استعبدَ بني إسرائيلَ قهرًا،
ومن صُلبِهم حطَّ نبيٌّ عظيمْ،
فكانت ولادتُه بالحكمةِ سرًّا،
أرضعته أمه خوفًا،
فالقتلُ يحومُ بهِ سيفًا،
ألهمها ربُّ النبي عطفًا بها،
إنْ أَرميه باليَمِّ طوفا،
بأصدقِ وعدٍ، رجوعُه لها،
رحمةُ اللهِ بهِ لطفًا،
وسِرُّ النجاةِ بهِ كشفًا.
قال تعالى:
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ
فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ
وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي
إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
(سورة القصص: 7)
طاف اليمُّ ورَسَا،
وقصرُ فرعونَ كان المرسى،
حملتهُ آسيةُ بقلبٍ خشى
سطوةَ فرعونَ، والقتل تفشى
وهكذا تبدأ رحلة الفتى في أحضان القصر،
توسَّلتِ الملكَ القويَّ،
أن يكونَ لهما ولدًا رضيّا،
تلطّفَ الطاغي، وهو لا يدري،
أنّهُ باتَ الحاميَ الوصيّا،
لِمَن سيهوي عرشَهُ الدنيويّا.
....وعد الله يتحقق
بكى الرضيعُ جوعًا،
ورفضَ الأثَدَ طوعًا،
حكمةُ الإلهِ صنعًا،
فما رضعَ إلا ثدي أمه،
ووعدُ اللهِ حقٌّ بإذنه.
نشأ الفتى في قصرِ عدوه، حيثُ القبطُ يعلون ويتسلّطون، وبنو إسرائيلَ في خارج السورِ عبيدٌ صاغرون.
كبر موسى نقيّاً قوياً ،
ناصراً للضعيف، وللذل أبياً،
رأى يومًا الظلم جليًا،
فغيّره بوكزةٍ قبطٍ علياً.
نصرةُ المظلومِ فِطرةٌ في الأبرارِ،
لكنها قد تُفضي لمحظورٍ بغير إنذارِ.
قال تعالى :
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا
فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ
هَـذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـذَا مِنْ عَدُوِّهِ
فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ
فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ
قَالَ هَـذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي
فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
(سورة القصص: 15-16)
بلغَ فرعونَ أنَّ موسى عاتْ،
ومن علِيَّةِ قومهِ شخصٌ ماتْ،
فهاجَ الطاغيةُ، وتوعّد أن يثأرَ له،
أسكرَهُ الكِبرُ، وأعمى فيهِ الذاتْ.
جاءَ لموسى منهم من أنذره،
فكانت: النجاةُ مدين، أو مصرُ المماتْ.
فطارده الحتفُ، ولكنَّهُ
نجا، والأقباط يرجون مقتله،
سعى الخلاصَ، مستغفرًا ربَّهُ،
يدعو الإلهَ، وزلَّتُهُ تُثْقِلُهْ
قال تعالى:
فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ
قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
(القصص: 21)
يتبع .......