طوال السنوات الماضية ....ظلت تتردد على نفس المكان .... تبحث عن نفس الشىء ...تنتظر نفس الأشخاص .... دون أن ينقطع الأمل فى اللقاء ... ما سر ذلك العطر؟؟؟ ما الذى تسرب منه الى الذاكرة؟؟ أى سحر هذا يجعلنا نمضى فى طريق نجهله بدعوى البحث ؟؟
كان قد غادر منذ سنوات ...سنوات طويلة .. لم يتخلف عن غيابه أى قدر من الألم ... أو حتى من المعاناه .... فقط الإنتظار .
عندما كان يتأهب للرحيل .... كان متضوعاً بهذا العطر ... ممسكاً بأوراقه وحزمة أقلامه .
لم يكن هناك ما يمنعه من الرحيل .. غير أنه عندما رحل ... كانت تظن أنه لابد من العودة .. لذا فقد ظلت تنتظر .... عندما طال الإنتظار .... ظلت تبحث عن العطر .... ذلك الذى كان يضعه دائماً ... لم تكن تعرف له إسماً ... فقط كانت تعرفه جيداً ... عندما تطاير فى خلايا الذاكرة وحفر له مكانًا هناك وظل بداخلها دائماً .... كانت تذهب إلى محل العطور ... تفتح الزجاجات والقوارير ... تتنسم شذى اللحظات الكامنة على الأغطية .... ترى بعيون الذاكرة ما دار فى الأفق عند تطاير الرائحة... كانت هناك أنواع أزكى ... وكانت هناك قوارير أجمل .. لكنه الكامن فى أعماق الذاكرة .... لايريد أن يرحل هو الآخر .
أحبها بائع العطر .. أحب الصباح الذى يأتى معها ... كل يوم مفعم بالأمل المتجدد دوماً ... ذلك الضارب فى أطناب القلب دروباً من الرحيل الذى لا ينتهى .
ما الذى يمنعها من حب بائع العطر نفسه ؟؟؟
كلماته التى إختلطت بعطره وسافرت بعيداً فى جنبات النفس ... تأبى أن تعود من السفر .. صارت تمنعها من أى شىء إلا مواصلة البحث .
ذات مرة إستوقفها بائع العطر ...عرض أن يساعدها فيما تبحث عنه .. إنه خبير فى العطور ... يعرف تركيبها جيداً... كيف تنسلّ الى الصدر بلا رقيب ... وكيف تتسلل الى الذاكرة بلا رادع ... سألها عما تبحث عنه .
لم تدر ماذا تقول ؟؟؟سألته .... كيف تصف عطراً لاتعرف له إسماً ؟؟؟
توقف عن الإجابة قليلاً ثم قال بأن بعض العطور تتشابه ... وسأل عما إذا كان هناك أى عطر يشبهه؟؟؟
إنها حقاً لاتدرى إن كان هناك أى عطر يشبهه أم لا . كانت تعجز عن الإجابة .
لاحظ أنها دائماً تمسك ببعض الأوراق ... ذات مرة وضعت الأوراق جانباً أثناء البحث عن عطرها المفقود ... تعمّد أن يسترق النظر إلى الأوراق ... علّه يجد إجابة عن بعض التساؤلات .. عندما عادت تبحث عن أوراقها .. كان هناك واقفاً بجوار الأوراق يرمقها بشدة ... سحبت اوراقها بهدوء ... نظرت إليه ....
أخبرها بأن العطر الذى تبحث عنه لن تجده فى الجوار ..إنه عطر فريد ... لايصنع فى هذه البلاد .... إنه يصنع هناك فى بلاد العطور .... ربما لو سافرت "خلفه" سوف تجده...
- أجابت بأنها تعرف ذلك منذ زمن بعيد
ربما كانت تبحث عن عطر آخر دون أن تدرى ؟؟؟ ربما لم تكن تدرى عما تبحث ؟؟؟ أو ربما هى تعرف جيداً عما تبحث ؟؟؟ تزاحمت الأسئلة فى "رأسه"بلا ردود.
ما هو الحائل المنيع الذى أحدثه ذلك العطر ؟؟؟؟ ربما هو نوع من السحر ؟ نعم .. لماذا لم تفطن لهذا من قبل ... إنه السحر ولا شك .. أنه السحر الذى (يؤثر)بنا دون أن نعلم عنه شيئا..فقط يقودنا إلى طريق ما دون أن نستطيع المقاومة ... ونظل تحت تأثيره حتى يزول ... لاشك أنه السحر .
لم يبق إلا أن تحدد أى نوع من أنواع السحر هو ... قالت لنفسها إنه ربما سحر ساحرة "طيبة" ترتدي رداء ابيض و قبعة كبيرة و لها ملامح ودودة كالتي طالما شاهدتها في القصص الخيالية ... لابد ان يكون السحر الذي تعانيه من هذا النوع ... سحر لا تريد منه فكاكاً سحر يطغي بهاؤه علي الم الفراق ... فيحيلها سعادة من طعم لا يوصف ... كلمات هذا السحر بلون "ارجواني" لا تقرأ الا في لحظات المغيب عند الشفق الاحمر عندما تردد كلمات "لسحر" بين شفتيها يسري ذلك "السحر" في اوصالها املاً يتجدد كل يوم في اللقاء و برغبة "عارمة" في مواصلة الحياة .
هنا سألت نفسها هل تريد ان تواصل الحياة مع هذا "السحر" الذي لا مكان له الا بداخلها ... ام انها تريد ان تحيله الي خزانة الذكريات داخل رأسها و تستكمل الذكريات مع بائع العطر ... طرحت هذا السؤال علي نفسها مراراً و حزمت امرها ... و انطلقت الي بائع العطر ...
كانت تنوي ان تواجهه بكل الاسئلة ... يجب ان يجيب بائع العطر عن كل الاسئلة و يجب ان "يحل" عقد السحر و يجب ان يستخرج بنفسه ذلك الكامن في جنبات الذاكرة و يجب ان يصنع لها عطراً أجمل .... و يجب ان يستبدل كل المشاعر الجميلة التي عاشتها بأخري أجمل .
نعم يجب ان لا يكون بائع العطر اقل شأناً من "سحرها"
كان الصباح لم يطلع بعد .... ظلت تنتظره امام السحب البيضاء و النسائم المنعشة ... ظلت تنتظر بائع العطر.