روتيــن..
استيقظت في الصباح على رنين جرس المنبه، وهو صوت ألفته على مدى السنين التي انتقلت فيها من بيت والديها إلى بيت الزوجية.. في البداية، وكأي شيء جديد، كانت تجد مع رنينه متعة، فقد كان يوقظ فيها الشعور بالواجب، والرغبة الصادقة في القيام بدورها كزوجة في هذه الساعة المبكرة، لتسرع بإعداد طعام الإفطار والقهوة الساخنة، ثم تفترق وزوجها كل إلى عمله.. يفترقان إلى لقاء..
وتمضي الأيام ويتغير شكل الحياة، لم يعد البيت لهما وحدهما، فقد أصبح يشاركهما فيه ضيوف صغار، لتتضاعف مسؤولياتها كأم وتضطر إلى ترك وظيفتها مؤقتا حتى تتفرغ لرعاية أطفالها.. وشيئا فشيئا، ابتدأ يمتلكها شعور الضيق الشديد بالحياة الجديدة التي كانت في الأمس القريب تسعد بكل لحظة فيها..
كبر الأطفال وخرجوا إلى المدرسة..
كل شيء في البيت الذي كان يلفه الهدوء قد تغير، ما عدا جرس المنبه الذي لا زال يرن في موعده.. وتحاول إخراسه.. ولكنه لا يخرس.. حقيقة لقد كف عن الرنين لأنها توقفت عن ضبطه، ولكنها ما زالت تسمع صوته في الصباح.. لقد تحولت هي إلى منبه ! لا تكاد تحس بأشعة الشمس تتسلل في رفق إلى غرفتها حتى تقوم مسرعة لكي تجد الوقت الكافي لإعداد الإفطار لأفراد أسرة تضاعف عددها وتضاعفت معه مسؤولياتها..
أيام أخرى مرت بنفس الوتيرة، لتكتشف الأم فجأة أنها أصبحت تجد صعوبة في الاستيقاظ، وكذا شعور بالتعب وإحساس ضيق ينتابها بين الحين والآخر.. إنها تحب زوجها وتحب أبنائها، ولا تريد لهذا الشعور الغريب أن يستبد بها وينغص عليها حياتها، ويسيء إلى أحب الناس إلى قلبها..
صحت من نومها في اليوم الموالي.. ولكنها في هذه المرة لم تذهب مباشرة إلى المطبخ كما تعودت أن تفعل، بل وقفت من وراء النافذة تتأمل كل شيء حولها: الحديقة الجميلة التي امتلأت بالزهور، العصافير الصغيرة وهي تنتقل بين أغصان الشجر وترفع صوتها مغردةً الفرحة بمولد هذا اليوم الجديد، الرجل العجوز الذي طالما حمل إليها زجاجات اللبن، يرفع يديه محييا.. تأملت هذه الصور الطبيعية بنظرة رضا وعادت أدراجها ذهابا إلى المطبخ، فجأة وصل أذنيها صوت ضحكات ابنتها الصغرى، أحست برغبة في الذهاب إليها حتى ترى ما يضحكها. وقفت أمام باب غرفة الطعام.. هو نفس المشهد الذي كانت تراه كل يوم، كل شيء على حاله: الأطفال حول المائدة في انتظار طعام الإفطار، الأب يداعب الابنة الصغيرة، في هذا المكان اجتمع كل الذين تحبهم، كل الذين تفخر بهم.. وتحاول أن تتكلم، أن تقول شيئا، ولم تجد سوى الانسحاب من الغرفة في هدوء، فقد امتلأت عيناها بالدموع.. دموع بهجة روت قلبها في لحظة وكانت أقوى من أي كلام يمكن أن تقوله..



رد مع اقتباس




