أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 16

الموضوع: رائحة السماء\ مصطفى الصالح

  1. #1
    الصورة الرمزية مصطفى الصالح
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2014
    الدولة : شرق الحلم
    المشاركات : 1,031
    المواضيع : 44
    الردود : 1031
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي رائحة السماء\ مصطفى الصالح

    بحفاوة ملوكية يستقبلهم وبسخاء حاتمي ينثر تراحيب مغمسة بابتسامات فاخرة ، يُعيد ترتيب منضدته المرتبكة ، ينفض عن الكرسي بقايا وشوشات ويلمعه ببهلوانية ، يُجلسه برفق ويضع المريول على جسده بعناية ، يختار مقصا ويطقطقه بحرفية ، يمسك بالمشط ويدور حوله كراقص وهو يبخ منعش الهواء في الجو.. أنت محظوظ جدا؛ صيد ثمين.. جامعية ، مؤدبة.. سأحلق لك حلاقة خاصة مبتكرة ، دع الأمر لي ، ألف مبروك يا عريس ، يتحرك باستمرار ذات اليمين وذات الشمال ، يقص الشعر مرة من هنا ، وأخرى من هناك.. ينظر إلى المرآة معدلا رأسه كأنه يطالبه بالنظر أيضا.. عائلتها عريقة معروفة بالشهامة والنضال ، وميسورة أيضا ، اسألني أنا ، وفوق هذا كله وافرة الجمال.. ما شاء الله ، لن يجدوا أفضل منك ، فأنت زينة الشباب.. (هات شاي يا ولد لمرافق العريس وقرايبه).. يلتفت لهم باشاً: يا هلا بالشباب
    ينضحون الكلام من نبع لا ينضب ، جودة ثرثرتهم تعتمد على جيب الزبون ، ينال العريس أعلاها مرتبة.. يعرف هذا فلا يلتفت إلى كثيرها أو قليلها.. يُعدل جلسته ، ينظر إلى عينيه في المرآة.. هل حقا سأتزوج هذه الليلة!.. آه كم تحبني تلك المعطاءة.. انتظرتْني سنتين حتى خرجتُ من الاعتقال الإداري ، وكأن نار الانتظار لا تحرق الوقت بل تشعل جبال الشوق ، رفضت فسخ الخطبة رغم الإغراءات ، منذ الصغر كانت تترك كل شيء لتلعب معي على أرجوحة الكينا.. أذهلت الجميع شجاعتها حين خاطرت معنا لقطف الزيتون وهي صبية!..
    بين ثنايا هسيس ذكريات ناعمة راح يسبح في لوحة مرمرية الحواف مخملية الغيوم ، أوراقها لا تعرف الخريف ، ورودها تختال بجمالها وعطرها بين نسائم فجر مقيم..
    يحاول تجاهل هواجس مستقبل تطل برأسها كلما حاور الآمال.. يهش عليها بعصا تفاؤل طالما كان غذاءه في محنته ، ووجنتيها التفاحيتين
    ينتفض الجميع على صوت مكبر صوت جذبه من أعماق أحلامه.. اخرج إلينا ويديك خلف رأسك وإلا نسفناك..
    ماذا! قال مضطربا.. من يخاطبون؟
    يبدو أنه أحد المطلوبين لقوات جيش الدفاع.. رد الحلاق.. وقد وجدوه أخيرا بعدما قتل منهم الكثير.. سامحه الله أخبرته ألا..
    من تقصد؟
    رفيقك الذي فجر الحافلة..
    آآآآه.. لقد وعدني أن يحضر عرسي ، وها هو محاصر بجنود الاحتلال.. كان يهمس لنفسه وهو يقترب من المكان..
    - هذا مناضل كبير يجب أن نخرجه من هنا.. قال مخاطبا مُرافِقَهُ.. كيف عرفوا بوجوده!!
    - كيف نخرجه وقد طَوَّقوا الحي؟!.. إن لم يخرج سينسفونه بالمبنى..
    - في كلتا الحالتين سيقتلونه ، يا إلهي!.. انظر لأعدادهم وآلياتهم.. حتى الطيور ابتعدت لا تجرؤ..
    - هناك فرصة ضئيلة؛ إن استفزينا ذلك المتمسمر خلف مدفع العربة المدرعة
    - نعم رأيته.. أقل من نصف جسمه العلوي يظهر.. لكن لا بأس.. هل معك (مقلاع)؟
    - نعم معي، وهل أَتْرُكُ سلاحي؟ لكن ماذا ستفعل؟
    - كما أفعل دائما..
    - أنت عريس.. لا نريد مشاكل قبل الفرح ، إن اعتقلوك فلن تخرج لسنين..
    - لا تهتم ، لن يصلوا إلي.. حاول أن تعرف كيف علموا بوجوده هنا.. كأنهم كانوا ينتظرونه! المباني المجاورة كلها خالية!!.. احموا ظهري عند الحاجة..
    كأن السماء اقتربت.. همس لنفسه وهو يجهز المقلاع.. لماذا هي بيضاء وليست زرقاء كالعادة، أين اختفت المباني.. هل هرب الجنود، أين ذهبوا؟.. لم يبق إلا ذلك الصهيوني على تلك المدرعة..
    تناول برشاقة شهابا من سجيل ، وضعه بحنان في مقلاعه ، لَوَّح به حتى تأوهت الريح.. نظر إليه الجندي ، ضحك باستصغار.. خلع خوذته ليمسح عرق جبينه بذراعه ، وقبل أن يعيدها كان الدم يتفجر من رأسه في كل اتجاه..

    وغص حلق السماء بأرتال تكبيرات الحجارة.. تبتلع حقد البنادق..
    كان الرصاص يعزف أنشودة الزفاف الأخير ، وكانت زغاريد الزفاف تمسح الدماء عن وجه العريس ، عن شعره ، عن فرحة جاثية تنظر للمكان الذي وجد فيه بعد يومين جسد.. كان قد ذُبح بشفرة ، وقُصَّ لسانه بمقص غُرسَ في حلقه..

    مصطفى الصالح
    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

  2. #2
    الصورة الرمزية آمال المصري
    عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,995
    المواضيع : 418
    الردود : 23995
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    النصوص التي تدور حول القضية الفلسطينية لها ألق مختلف
    وهنا بسرد قوي ولغة باذخة وحبكة متينة كانت تلك الجميلة التي تحاكي واحدة من القضايا الهامة وهي عرقلة النصر بقدم الخيانة
    استوقفني النص بروعته وأدواته وكانت الخاتمة صادمة استدعت الدهشة فبوركت واليراع الفريدةأديبنا الفاضل
    تقديري الكبير
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية مصطفى الصالح
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2014
    الدولة : شرق الحلم
    المشاركات : 1,031
    المواضيع : 44
    الردود : 1031
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آمال المصري مشاهدة المشاركة
    النصوص التي تدور حول القضية الفلسطينية لها ألق مختلف
    وهنا بسرد قوي ولغة باذخة وحبكة متينة كانت تلك الجميلة التي تحاكي واحدة من القضايا الهامة وهي عرقلة النصر بقدم الخيانة
    استوقفني النص بروعته وأدواته وكانت الخاتمة صادمة استدعت الدهشة فبوركت واليراع الفريدةأديبنا الفاضل
    تقديري الكبير
    سرني هذا الحضور الأنيق

    هذه شهادة فاخرة أعلقها على صدر النص

    كل الشكر والتقدير

  4. #4
    قاصة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 1,224
    المواضيع : 115
    الردود : 1224
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي

    (تناول برشاقة شهابا من سجيل ، وضعه بحنان في مقلاعه ، لَوَّح به حتى تأوهت الريح.. نظر إليه الجندي ، ضحك باستصغار.. خلع خوذته ليمسح عرق جبينه بذراعه ، وقبل أن يعيدها كان الدم يتفجر من رأسه في كل اتجاه..

    وغص حلق السماء بأرتال تكبيرات الحجارة.. تبتلع حقد البنادق..
    كان الرصاص يعزف أنشودة الزفاف الأخير ، وكانت زغاريد الزفاف تمسح الدماء عن وجه العريس ، عن شعره ، عن فرحة جاثية تنظر للمكان الذي وجد فيه بعد يومين جسد.. كان قد ذُبح بشفرة ، وقُصَّ لسانه بمقص غُرسَ في حلقه..نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي )


    سكت الكلام ...تخطى الروعة ..سلم القلم المائز
    [read]البحر ...رغم امتلائه بالماء..
    دائما يستقبل المطر[/read]

  5. #5
    الصورة الرمزية مصطفى الصالح
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2014
    الدولة : شرق الحلم
    المشاركات : 1,031
    المواضيع : 44
    الردود : 1031
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعاد محمود الامين مشاهدة المشاركة
    (تناول برشاقة شهابا من سجيل ، وضعه بحنان في مقلاعه ، لَوَّح به حتى تأوهت الريح.. نظر إليه الجندي ، ضحك باستصغار.. خلع خوذته ليمسح عرق جبينه بذراعه ، وقبل أن يعيدها كان الدم يتفجر من رأسه في كل اتجاه..

    وغص حلق السماء بأرتال تكبيرات الحجارة.. تبتلع حقد البنادق..
    كان الرصاص يعزف أنشودة الزفاف الأخير ، وكانت زغاريد الزفاف تمسح الدماء عن وجه العريس ، عن شعره ، عن فرحة جاثية تنظر للمكان الذي وجد فيه بعد يومين جسد.. كان قد ذُبح بشفرة ، وقُصَّ لسانه بمقص غُرسَ في حلقه..نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي )


    سكت الكلام ...تخطى الروعة ..سلم القلم المائز
    كل الكلام لا يكفي لإيفاء هذا المرور الأنيق حقه

    جزيل الشكر

    وكل التقدير

  6. #6
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,847
    المواضيع : 195
    الردود : 9847
    المعدل اليومي : 1.67

    افتراضي

    سرد رائع أمسك بأنفاس القارئ حتّى النّهاية المدهشة
    لابدّ من العقاب للخونة وبائعي الضّمير
    بوركت
    تقديري وتحيّتي
    (همسة: أليست كلمة مريول عاميّة؟
    ويداك (مبتدأ)
    سينسفوه( جواب الشّرط ، وسين التّسويف غير عاملة
    المبنى هو مكان النّسف وليس الأداة .. أليس الصّحيح في المبنى؟ )

  7. #7
    الصورة الرمزية مصطفى الصالح
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2014
    الدولة : شرق الحلم
    المشاركات : 1,031
    المواضيع : 44
    الردود : 1031
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كاملة بدارنه مشاهدة المشاركة
    سرد رائع أمسك بأنفاس القارئ حتّى النّهاية المدهشة
    لابدّ من العقاب للخونة وبائعي الضّمير
    بوركت
    تقديري وتحيّتي
    (همسة: أليست كلمة مريول عاميّة؟ ، ويداك (مبتدأ) ، سينسفوه( جواب الشّرط ، وسين التّسويف غير عاملة، المبنى هو مكان النّسف وليس الأداة .. أليس الصّحيح في المبنى؟ )
    سرني أن نصي المتواضع أعجبك وهذه شهادة أعتز بها من قديرة مثلك

    فلك جزيل الشكر

    أليست كلمة مريول عاميّة؟

    نعم ربما معك حق، هل عندك بديل لها؟ هي معربة وليس لها أصل، ولكن، هل تعلمين أن كلمة أندراوير عربية الأصل؟ أندروير المستخدمة في الإنجليزية قال الدكتور يحيى عبابنة المدرس لعلوم اللغة العربية في الجامعات الأردنية أن هناك أصول لكلمات أجنبية في العربية وركز على هذه الكلمة حيث وردت في السيرة والتاريخ، وجاء بإثباتاتها

    ، ويداك (مبتدأ) ،

    بل هي حال أستاذتي الفاضلة لذلك منصوبة

    سينسفوه( جواب الشّرط ، وسين التّسويف غير عاملة، المبنى هو مكان النّسف وليس الأداة .. أليس الصّحيح في المبنى؟ )

    أين محمد؟ بالبيت

    من بالباب؟

    الباء هنا للمعية وتعنى سينسفونه هو والمبنى، وسينسفون المبنى على رأسه

    سرني حضورك وإضافاتك المفيدة واستفساراتك الوجيهة

    كل التقدير

  8. #8
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 6,065
    المواضيع : 182
    الردود : 6065
    المعدل اليومي : 0.84

    افتراضي

    وغص حلق السماء بأرتال تكبيرات الحجارة.. تبتلع حقد البنادق..
    كان الرصاص يعزف أنشودة الزفاف الأخير ، وكانت زغاريد الزفاف تمسح الدماء عن وجه العريس ، عن شعره ، عن فرحة جاثية تنظر للمكان الذي وجد فيه بعد يومين جسد.. كان قد ذُبح بشفرة ، وقُصَّ لسانه بمقص غُرسَ في حلقه..


    السلام عليكم
    كانت القفلة مروعة كما الحال بالضبط ,
    لكن النضال يتحدى دائما ,
    لا أدري لماذا تتجمد كلماتي دائما أمام هؤلاء الأبطال !
    طبعا ,,لا يوجد كلمة في أي لغة بالعالم تقدر على التعبير نيابة عنهم .
    فهم أكبر بكثير ,,
    قصة جميلة تشد القارىء حتى النهاية ,
    شكرا لك أخي
    ماسة

  9. #9
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,992
    المواضيع : 293
    الردود : 34992
    المعدل اليومي : 6.07

    افتراضي

    في الشفرة والمقص الذين أجهز بهما على العميل إشارة للحلاق، لكن النص لم يقدم ما يشير إلى ما يتهمه بشئ
    الوصف التفصيلي للمشهد في النص الأول من القّصة جاء جميلا شائقا، لكني بانتهاء النص بحثت عن دوره في خدمة الحبكة أو رسالة القصة فلم أفلح باكتشافها

    ويبقى أنه جاء نصا بلغة قصّيّة جميلة وأسلوب طيب

    دمت بخير

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  10. #10
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,104
    المواضيع : 123
    الردود : 19104
    المعدل اليومي : 3.42

    افتراضي

    جاءتني هذه القصة بعد أن كنت أقرا بعض التقارير عن إعدام عدد من العملاء في غزة الحرة
    لماذا تبتلى أمتنا بهذا العليق بين ورودها!!
    سؤال يؤلمني

    قصة جميلة
    شكرا لك أخي

    بوركت
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. البي بي سي أصدق أنباء من الكتب-مصطفى الصالح
    بواسطة مصطفى الصالح في المنتدى الأَدَبُ السَّاخِرُ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 11-07-2017, 11:30 PM
  2. قصاصات مصطفى الصالح
    بواسطة مصطفى الصالح في المنتدى بَرْقُ الخَاطِرِ وَبَوحُ الذَّاتِ
    مشاركات: 86
    آخر مشاركة: 24-06-2017, 01:39 AM
  3. عيد \ مصطفى الصالح
    بواسطة مصطفى الصالح في المنتدى القِصَّةُ القَصِيرَةُ جِدًّا
    مشاركات: 30
    آخر مشاركة: 24-06-2017, 01:35 AM
  4. ليس أنا...\ مصطفى الصالح
    بواسطة مصطفى الصالح في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 23-01-2016, 07:32 PM
  5. هفوة الرياح \ مصطفى الصالح
    بواسطة مصطفى الصالح في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 20-08-2014, 02:40 AM