أيها الأحباب كم كنت أتمنى ألا يسطر قلمي مثل هذه القصيدة ولكنى لما أنهيت الجامعة وقدمت أوراقي للتجنيد قبلت بالجيش وكنت أول الأمر مسرورا لأني كنت أعتقد أن الجيش هو موطن الوطنية الأول ولكنى لما ذهبت رد إلى بصرى خاسئا وهو حسير فالجيش موطن الظلم ومستنقع لكل سوء عشت فيه أياما - لا ردها الله أبدا- قلبت مواجع قلبي وأشعلت جراح نفسي فكانت هذه القصيدة زفرة مظلوم وأنة مكلوم ...

أنا زهرة هدم الأسى أركاني
فذبلت بعد نضارة الأغصان
ووضعت في جنب الحياة تدوسني
قدم الهوان وأرجل الأزمان
قد عشت عمرى في الحياة مؤملا
عزا ومجدا مشرق الألوان
وحلمت أن أحيا حياة كرامة
لا ذل لا استعباد للانسان
لا يستبيح الظلم حر كرامتي
كلا ولا يدمي الأسى أوزاني
فكتبت أشعارا يفوق جمالها
ما سطرته يراعة الذبياني
غنيت للدنيا وللحب الذي
يختال في شعري وفي ألحاني
لكن أبى التاريخ غير إهانتي
وأبت سنون العمر غير هواني
فاسمع حكاية من تفطر قلبه
وأتت عليه معاول الأحزان
أنا أيها الأحباب رب يراعة
وربيب إحساس وفيض بيان
جئت الحياة بغير أي إرادة
مني وتلك مشيئة الرحمن
وظللت بين دروبها متقلبا
ما بين حرمان إلى حرمان
أمشي وأضحك للدنا لكنني
في داخلي بحر من الأحزان
حتى استقر الأمر في ( كلّيتي )
وظننت أن الفرح قد ناداني
ولقيت ( هندا ) يا لطيب لقائها
هي نسمة مرت على وجداني
هي زهرة حمراء في كراستي
هي همسة بيضاء فوق لساني
أحببتها بجوارحي وخواطري
سلمتها قلبي وكل كياني
عشنا على عبق المحبة عيشة
حلقت فيها في ربا وجنان
أعوام أربعة قضيناها معا
مرت كبعض دقائق وثواني
نتناشد الأشعار نبض محبة
قلبي لها وبقلبها تهواني
لكن دهرك لا يرق لمدنف
صب ولا يرثى لقلب عاني
كتب الفراق نهاية لحكاية
عذرية فتفرق القلبان
ثم استدار على دورة جائر
وأناخ عند القلب خطب ثاني
فدخلت جيشا خيمت بسمائه
سحب من الظلمات والطغيان
لا دين فيه وليس ثمت رحمة
كلا ولا خوف من الديان
بل كل من فيه سليل سفالة
من نسل سافلة وظهر جبان
قد عشت فيه لياليا مسودة
مرت على كأطول الأزمان
نصحو على صوت السباب ولم يزل
ليل يلف براءة الأكوان
لا الشمس أشرق ضوؤها كلا ولا
نادى منادي الفجر بالآذان
لكننا نمضي لطابور به
أصناف ( تكدير ) بغير حنان
نعدو كما تعدو الظباء يقودنا
لهب السياط وسطوة الخوان
فإذا تأخر متعب في جريه
فالضرب يأتيه بكل مكان
ناهيك عن سب بأقبح لفظة
لعن لدين الخالق الديان
لا ينتهى الطابور حتى نرتمي
في حضن طابور دني ثاني
الشمس فوق رؤوسنا بلهيبها
تهب السليم ترنح السكران
يتساقط الشبان دون تحمل
فلهيبها كحرارة النيران
والماء ما أدراك أصعب مطلب
في جيشنا واحرقة الظمآن
نصطف طابورا لنيل قطيرة
والزرع يروى منه بالفدان
يا صفحة التاريخ بالله اكتبي
شبع الزروع وغلة الإنسان
والأكل يرمى للشباب فتاته
وكأنما يرمى إلى الحيوان
ما بين طابور وآخر مثله
يمضى نهار المتعب الحيران
فإذا أتي ليل بهي والتقى
فيه الأحبة في هوى وتداني
نمنا على كبد يحرقها الأسى
وعلى دموع امها العينان
ما أكثر الظلم المشين بجيشنا
وا ضيعة المظلوم في بلداني
قد عدت للنفس الأبية سائلا
والقلب في أسف وفي خزيان
هل ذاك جيش كنانة يا للأسى
أم ذاك موطن عصبة الشيطان ؟
يا مصر إن ترضى سماؤك ذلتي
ويروق أرضك شقوتي وهواني
فلترحلي يا مصر عن قلبي بلا
عود ولا حمد ولا عرفان
لا لست أمي ما حييت ولا أنا
نبت سكبت النيل في شرياني
كلا ولن أروي ترابك من دمي
لا لست بلداني ولا أوطاني
أنا بلدتي قلبي وموطن راحتي
شعري ومهد حضارتي تبياني
هذى حكاية زهرة تغتالها
كف الزمان بخنجر الحرمان

بقلم من ألم ومداد من حسرة
محمود جابر