إنها أنتِ إذن من تنسى حبها في المياه الضحلة , في الأعماق السفلية للأمل .. أنتِ من تنسى لهباً في علو الظهيرة .. من تقحم الحروف اللينة في كل كلمة متكسرة الالوان... جامعة عسلها في عناقيد الفاكهة .. في الأصيل حينما تجدين نفسك فجأة فتاة سمراء قد لوحتها الشمس أمام هذا العمود المخلوق من صلصال كالفخار والذي سوف يكون حارس القرون ..أذكري على الأقل ذلك الصبي الوحيد في عنفوان البحر , الذي كان متحمساً لاكتشاف الجمال الذي لا يضاهي بجمالك .

ارمي زهرتك الحمراء في سرة البحر , وخذي معك ضوء الياسنت وعمديه في ينبوع النهار.. هكذا بالقرب من اسمك سوف ترجف الأسطورة , ويدي مغالبتين للطوفان , وسننجو مع أولى النوارس , من يا ترى الذي سوف يدلُّك أولاً كيف تعلن الشمس العظيمة عن بزوغ البرعم الصغير بأمواج تطهر العالم..؟ وكل امرىء يبحث في كلماته , وأنا أصرخ أين انتِ...؟ والبحر والجبال والأشجار غير كائبة..

حدثيني بالله عليك عن الساعة المكفهرة التي هزمتك حينما بارد الرعد قلبي .. حدثيني عن اليد التي قاومت يدي لتغوص في أسى إقامتك المؤقتة في البلاد البعيدة .. حدثيني عن بعد المسافة والنور والظلمة والموجة المقتحمة لسبتمبر الحنون الحميم..

حدثيني أن تعودي إلى جزيرة الحجر الجفاف مع قارب منسي , وسوف توقظ المجاديف مناحة أمواج مصاحبة للذكريات التي عاشت أغلب الوقت في البلاد البعيدة .. أن تتنسمي الحدائق الصغيرة البعيدة عن قلبك ثم يستقبلك الأسى ذاته ..

وفي أعماق بحر الموسيقى تتبعك الأشياء ذاتها , وقد تحولت الحياة في كل مكان تقلد نفسها , وبالقبض على الفسفور في يدك .. تشيعين السكون وسط حبائل المخاطر العديدة , وشعرك المبتل بالنغمة التاسعة يشد قوس الذكريات وينسل خيط الحروف اللينة فوق ذروة انحناءة الشفق..

حذار! فالصوت الذي نسيتيه ذات مرة يتبرعم الآن على صدرك , هذا الكوال الذي يشتعل وحيدا سيكون قد التهمك ..هو هذا الدوار المخيف الذي يربطك بتهاويل الألم الى النزع الأخير للبنفسج..

أنا لم أفعل أي شيء آخر، أخذت الطبيعة الغفل وعلّمت عليها حينئذ أربعا وعشرين مرة في الغابات والبحار , وأخذتك في بحر الرعة ذاتها التي قلبت الكلمات على وجوهها وتركتها هناك مثل الأصداف المفتوحة المبعثرة.. أخذتك رفيقاً في البرق .. في الرهبة .. في غريزتي .. بسبب ذلك ، في كل مرة أستبدل الزمن ، طارحاً قلبي إلى الحضيض وأنتِ ترحلين وتختفين، مغالبة حضورك، خالقة عزلة مقدسة ، سعادة هائجة فوق طاقة العقل .. إنني لم افعل شيئا آخر سوى ما وجدته فيك واقتديت به!

مرة أخرى وسط أشجار الكرز شفتاك الطازجتان .. مره أخرى وسط رقص الخضرة أحلامك الغابرة .. مرة أخرى في أحلامك القديمة .. الأغنيات التي يعلو لهيبها ثم ينطفيء .. بين تلك التي تتوهج عالياً ثم تنطفىء ، أسرار العالم الدافئة .. أسرار العالم.

وعاليا فوق شجرة الارتالات البيضاء .. جسدك الصبي مسكون بالصواري وأنتِ تبسطين البحر العريان الذي يأخذ ويعطي حياته لطحالب البحر اللامعة .





النورس