اسْتَيْقَظْتُ مُبَكِّراً , قَبْلَ شُرُوقِ الشَّمْسِ , فَشَدَّنِي مَنْظَرُ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ , الَّذِي يَطُلُّ عَلَى شُرْفَةِ غُرْفَتِي , فِي مُحَافَظَةِ ( كَارْلُوفِي فَارِي ) فِي جُمْهُورِيَّةِ الْتْشِيِكْ .
كَانَتِ الطُّيُورُ تُغَرِّدُ وَكَأَنَّهَا اجْتَمَعَتْ مُحْتَفِلَةً بِالْجَوِّ الَّذِي كَانَ يُهَفْهِفُ نَسِيِماً عَلِيِلاً مَعَ بُرُودَةِ الْفَجْر.
نَهَضْتُ مِنْ سَرِيِري وَارْتَدَيْتُ مَلاَبِسِي مُسْرِعَةً , وَأَنَا أَطِيِرُ مُحَلِّقَةً , تَحْملُنِي نَسَمَاتُ الْفَجْرِ الأُولَى لِلْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ .
أَخَذَتْنِي قَدَمِي دُونَ أَنْ أَشْعُرَ لِمَكَانٍ خَلاَّبٍ جِدّاً , فَجَلَسْتُ عَلَى صَخرَةٍ صَمَّاءٍ , وَكَانَتْ حَوْلِي الْطُيُّورُ تُغَرِّدُ بِشَرَاهَةٍ عَجِيِبَةٍ , فَبَدَأْتُ أُغَرِّدُ مَعَهَا وَكَانَ مَا كَانَ.......
وَلَكُمْ قَصِيِدَتِي الَّتِي ابْتَلَّتْ أَوْرَاقُهَا وَأَنَا أَكْتُبُهَا....


نُزْهَةْ


قَدْ أَمْطَرَتْ وَأَنَا فِي الْغَابِ أَرْوِيِهَا
وَالْفَيْضُ مِنْ شَفَتِي شِعْرٌ يُغَنِّيِهَا
لَمَّا اعْتَكَفْتُ مَعَ الأَشْجَارِ شَاعِرَةً
غَنَّتْ مَعِي الطَّيْرُ وَالأَغْصَانُ تُنْدِيِهَا
يَا نُزْهَةً فِي جِنَانِ الأَرْضِ قَدْ حَضَنَتْ
رُوحِي الَّتِي عَانَقَتْهَا حَيْثُ تُغْرِيِهَا
إِذْ هَلَّ طَيْفٌ عَلَى عَيْنَيَّ حِيِنَ رَأَتْ
فَاسَّحْسَحَ النُّورُ مِلْءَ الرُّوحِ تَرْفِيِهَا
يَا طَيْر لَوْ تَعْرِفِيِنَ الْيَوْمَ أُمْنِيَتِي
أَنْ يَحْتَرِيِنِي حَبِيِبُ الرُّوحِ يَحْوِيِهَا
الْحَقُّ إِنِّي بِذِي الأَحْرَاجِ خَائِفَةٌ
مَابَيْنِ زَرْعٍ غَزَاهُ الشَّوْكُ تَنْبِيِهَا
وَاسْتَيْقَظَ الْغَيْمُ فَوْقِي وَالضِّيَاءُ غَفَى
وَالدِّيِمَةُ ارْتَعَشَتْ فَانْكَبَّ مَا فِيِهَا
وَامْتَصَّنِي وَابِلُ الأَمْطَارِ مِنْ قَدَمِي
وَالْمَاءُ مِنْ وَجْنَتِي قَدْ فَرَّ تَشْوِيهَا
مَا اصْفَرَّ وَجْهِي مِنَ الأَجْوَاءِ حَيْنَ بَدَتْ
بَلْ مُصَّ عُمرِي بِحُمَّى الشَّوْقِ تَسْفِيِهَا
فَاسَّارَعَتْ قَدَمِي جَرْياً بِلاَ كَلَلٍ
وَالْعَقْلُ مِنْ فِكْرَتِي قَدْ حَارَ تَوْجِيِهَا
أَيْنَ الدُّرُوبَ الَّتِي قَدْ شَقَّهَا جَسَدِي
مِنْ أَيْنَ جِئْتُ وَأَيْنَ الدَّرْبَ أَجْرِيِهَا
لَوْ كُنْتُ أَدْرِي بِأَنَّ الْفَجْرَ فِي سَدَفٍ
مَا سِرْتُ جَهْلاً بِذِي الظَّلْمَاءِ أَشْجِيِهَا
يَا صَرْخَةً أَرْعَشَتْ مِنْ صَمْتِهَا وَجَلِي
فَانْشَلَّ طَيْرُ الْغِنَاءِ الْهَائِمٌ تِيِهَا
حَتَّى اخْتَبَأْتُ بِلاَ حِسٍّ يُسَايِرُنِي
فَالطَّيْرُ غَابَتْ وَطَارَتْ فِي تَجَلِّيِهَا
لَكِنْ بِعَقْلِي اسْتَفَاقَتْ فِكْرَةٌ شَرَراً
فَاسَّلْسَلَتْ صُوَرٌ وَالآهُ تَشْوِيِهَا
وَاضَّرَّمَتْ ذِكْرِيَاتِي بُرْهَةً سَفَعَتْ
إِذْ حَاصَرَتْنِي بِنَارِ التَّوْقِ تَمْوِيهَا
مَاذَا رَأَيْتُ بِأَطْلالٍ تُلاحِقُنِي
غَيْرَ الْفَتَاةِ الَّتِي كَانَتْ تُحَلّيِهَا
وَالْمَنْظَرُ الْمُحْتَفَى قَدْ فَزَّ مِنْ شَغَفٍ
فَاعْوَجَّ مِسْمَارُهُ الْفُولاذُ تَدْلِيِهَا
قَدْ مَرَّ وَقْتٌ وَكَانَ الْعُمْرُ مُخْتَبِئاً
لَكِنْ بِلَحْظٍ تَجَلَّى فِيَّ تَنْوِيِهَا
يَا نُزْهَةً هَيَّجَتْ مَا نَامَ مِنْ زَمَنٍ
هَلاَّ طَوَيْتِ الرُّؤَى بِالْغَيْمِ تَنْزِيِهَا
وَمَهِّدِي دَرْبِيَ الْمَغْمُور فِي وَحَلٍ
مَا كُنْتُ أَرْضَى بَدِيِلَ الْغَابِ أَمْشِيِهَا


غيداء الأيوبي