الرائي عبدالله البردوني
(في الذكرى الثانية والعشرين لرحيله رحمة الله عليه)


كَانَ يَـومَـاً كَالغُصنِ غَـضَّاً وأطرَى
فـي زَمَانٍ كَالوَحشِ فَتكَاً وأضرَى

فُـتِـحَتْ عَـيـنُهُ عـلـى كُــلِّ شَـيءٍ
حَــولَـهُ تَــرسُـمُ الـمَـلامِـحَ تَــتـرَى

دَاهَـمَـتْهُ الخُـطُوبُ، فَارتَـاعَ طِفلاً
فَـــقَــأَ الـــــدَّاءُ نَــاظِــرَيـهِ وأزرَى

فَانـبَرَى يَـطـلُبُ الـضِّـيَـاءِ غَـرِيـبَـاً
فـــي بِـــلادٍ تَــئِـنُّ جَـهـلاً وجَــورَا

يَــصـرَعُ الــيَـأْسَ تَـــارَةً؛ فَـيُـغَنِّي
لـلـمُـنَى يَـافِـعَـاً، ويَـسـقُطُ أُخــرَى

رَاوَدَتْــهُ الـحَـيَاةُ بِـالـعَيشِ رَغــدَاً
في خُضُوعِ القَطِيعِ والعَيشِ فَقرَا

فَـضَّـلَ الـحُـرُّ أَنْ يَـجُـوعَ ويَـعـرَى
في شُمُوخٍ، بِالـعِـلمِ أَغـنَى وأَثـرَى

حَــازَ قـلـبَـاً يُــحِـسُّ آلامَ شَــعـبٍ
وضَـمِيرَاً لا يَـرتَضِي الـعَيشَ قَهرَا

أيـقَـظَ الـحُـبُّ فِـيـهِ قَـيلاً حَـكِيمَاً
بِـخَـبَـايَا الــقُـرُونِ والـعَـصرِ أدرَى

عَـاشَ كَـالعَندَلِيبِ؛ يَـشدُو كَـصَبٍّ
نَـبـضُـهُ لا يُــبَـاعُ يَــومَـاً ويُـشـرَى

يَـسـتَـلِذُّ الـسُّـهَـادَ فِـكـرَاً؛ فَـيَـرقَى
وهــو يَـقتَاتُ واقِـعَ الـحَالِ جَـمرَا

عَـاشَ يَطهُو المُنَى على نَارِ شَوقٍ
يُـطـعِـمُ الـجَـائعِينَ شِـعـرَاً ونَـثـرَا

كَـــانَ أيـقُـونَةَ الـصَّـبَاحِ، وصَـوتَـاً
يُـوقِظُ الـنَّائمِينَ فـي كُـلِّ مَـسرَى

ويُـعَـرِّي الـظَّـلامَ فــي كُــلِّ قَـصرٍ
ويَـــدُكُّ الــعُـرُوشَ وَكـــرَاً فَـوَكـرَا

ويَـحِـيكُ الـضُّحَى الـمُؤَمَّلَ وَعـيَاً
يُـلبِسُ الـشَّعبَ حُـلَّةَ الـمَجدِ نَصرَا

عَـاشَ ضَوءَاً، ومَاتَ كَالنَّجمِ؛ لكنْ
ضَـوءهُ فـي الـسَّمَاءِ يَـسطُعُ دَهرَا

كُــلُّ سِـفـرٍ حَـوَى الـجَوَاهِرَ يَـبقَى
كُــلُّ جِـيـلٍ يَـتـلُوهُ نَـبـضَاً وفَـخرَا

أيُّــهَـا الـشَّـاعِرُ الـضَّـرِيرُ الـمُـعَافَى
أنــتَ أَنـقَـى هَـوَىً، وأعـمَقُ فِـكرَا

لـــو رَأَيــنَـا بِــنُـورِ قَـلـبِـكَ يَــومَـاً
مَـــا غَـزَتْـنَـا الـرِّيَـاحُ بَــرَّاً وبَـحـرَا

جَـنَّـتَـينَا أمـسَـتْ رِمَــالاً وخَـمـطَاً
فَـمَتَى يـا أبِـي سَـتُصبِحُ خَـضرَا؟

قَـدْ رَسَـمتَ الـخُطَى؛ لِـنُدرِكَ يَومَاً
أَنَّ نَـسـفَ الـعُـجُولِ يَـصنَعُ فَـجرَا

نُـــدرِكُ الآنَ أَنَّ جِــيــلاً جَــدِيــدَاً
رُغــمَ عُـسـرِ الـمَخَاضِ يُـولَدُ حُـرَّا

وجُـنُــونُ الـغُـــبَـارِ يُــوحِـي بِــأنَّـا
قَـدْ بَـدَأنَا الـخُطَى كِـفَاحَاً وصَـبرَا

سَـتَـطُولُ الـطَّـرِيقُ حَـتـمَاً، ولـكنْ
سَـنُصَلِّي الـضُّحَى سَـلامَاً وشُـكرَا

فَـلَـكَ الـمَـجدُ والـخُلُودُ، وطُـوبَى
"لـلـسَّعِيدِ" الـعَـرِيقِ شَـعـبَاً وتِـبـرَا

ياسين عبدالعزيز