بودلير أبو الحداثة



ولد هذا المسخ المشوه خَلْقاً و خُلقاً والذي يسمى بالحداثة في أوروبا و تحديداً في فرنسا على يد شارل بودلير 1821-1867م وهو أديب فرنسي نادى بالفوضى الجنسية والفكرية والأخلاقية ،
ويعد هذا الرجل مؤسس الحداثة في العالم الغربي.
بدأ كتابة قصائده النثرية عام 1857 عقب نشر ديوانه " ازهار الشر " وقد استوحى اسلوبه الشعري الجديد مما كتبه الوزيوس بيرتيران من بالادات نثرية مستوحاة من ترجمة البالادات الاسكتلندية
والالمانية الى الفرنسية. والبالاد هو النص الذي يشبه الموال القصصي في العربية وهو الشكل الذي استوحاه وردزورث وكوليريدج في ثورتهما على جمود الكلاسيكية .
بودلير كشاعر لم يكن الا عبثيا خارجا على الاعراف و التقاليد , و الظروف وحدها هي التي شكلت نفسيته المعقدة الحاقدة المحبة للتدمير و الخراب .
اقصد انه لم يكن مدفوعا من جهة معينة لكي يحدث في الادب ما احدث من العبثية و الخروج على الكلاسيكية السائدة في ذلك الزمان و المكان .
لا شك في أنه كان عبقرياً , و لكن عبقريته كانت في التشاؤم و التخريب و الدمار و الخروج على الاعراف و التقاليد ما صلح منها و ما فسد .
و لكن كل ما كتب كان بسبب ظروف عائلية و مادية و صحية و بيئية ...
كان حقده على زوج أمه الضابط الذي أودعه في مدرسة داخلية للتخلص منه و إبعاده عن عشه الزوجي هو الشرارة التي أشعلت في نفس هذا الصبي نيران الثورة و الانقلاب و التدمير والنظر الى نصف
كأس الحياة الفارغ .
و معاناته الشديدة كفقير عاش حياته يمد يده الى أمه و زوجها كلما حاصرته الديون كان لها الاثر الكبير في الحقد على الغني و البرجوازي .
و انتكاسته الصحية بعد اصابته بشلل جانبه الايسر في آخر حياته أورثه التشاؤم و السوداوية في النظر الى الاشياء .
و البيئة التي عاش فيها و خصوصاً الحي اللاتيني و معاشرته الطويلة للساقطات و التنقل من حانة الى حانة, كل ذلك أكسبه الانحلال الخلقي و النظر الى الارض لا الى السماء.
من أقواله :
- نشوة الحب الوحيدة هي في التأكد من ارتكاب الشر , و الرجل و المرأة يعرفان منذ ميلادهما أن كل نشوة تكمن في ارتكاب الشر.
- لا يوجد سوى محلين اثنين يؤدي فيهما الانسان ثمناً ليكون له حق صرف ماله : المباول العمومية والنساء
- لم تستطع الكنيسة أن تلغي ممارسة الجنس ، فارادت ان تنظمه على الأقل باقامة نظام الزواج
لماذا يفضل رجل الفكر الغانيات على السيدات بينما كلهن غبيات ؟ سر يجب استكناهه .
كنت دائماً اتعجب من اعطاء النساء حرية الدخول الى الكنائس ، اذ فيم يا ترى يكون حديثهن مع الله ؟
المرأة لا تعرف فصل الروح عن الجسد ، لانها بسيطة كالحيوان ، ولو كنت من النقاد الهجائين لقلت بأنها لا تملك الا الجسد

في قصيدة واحدة فقط مؤلفة من أربعة و ثلاثين سطرا , ذكر أكثر من ستين كلمة تقزز النفس و تبعث في فراغ الغرفة الضيق دخان التشاؤم و الكآبة و اليأس و التوحش :


الحمق والضلال والإثم والشّح
تحتل نفوسنا وتجهد أجسامنا
ونحن نغذي النّدم فينا
كما يغذي المتسوّل الطفيليات التي تتغذى من دمه
آثامنا عنيدة وندمنا جبان
ونحن ندفع غالياً ثمن اعترافاتنا
ونخوض طريق الوحل مغتبطين
ونعتقد أننا بالدموع ندفع ثمن أخطائنا
وعلى وسادة الشر يهدهد الشيطان روحنا المسحورة
ويجتث من نفوسنا معدن الإرادة النفيس
ويمسك بالخيوط التي تحركنا نحو ما يُعاف
من المغريات. وفي كل يوم نهبط
لنقترب خطوة من جهنم دون تقزّز
عبر ظلمات نتنة.

وتعربد بأدمغتنا حشود الشياطين
كالملايين من الديدان المتراصّة
وعندما نستنشق الهواء يتسلل الموت إلى صدورنا
كنهر خفيّ يطلق أنّاته المجنونة
فإذا كان الاغتصاب والسم والحرائق
والخنجر لم تنسج بعد شبكة مصائرنا
برسومها المستحبة المثيرة
فلأننا وا أسفاه لم نبلغ من الجرأة ما يكفي
وبين كل الفهود والعقارب والسعادين وبنات آوى
والعقبان والأفاعي والكلاب
وكل الوحوش التي تزمجر وتدمدم وتزحف
داخل نفوسنا الآسنة الوضيعة
هناك واحد هو أشدّها دمامة وخبثاً ونجاسة
وهو, وإنْ كان قليل الحراك ضعيف الصوت
مستعدّ بجولة واحدة أن يصنع من الأرض أنقاضاً
وبتثاؤبة واحدة أن يبتلع العالم
إنه الضجر الذي يحلم بالمشنقة وهو يدخّن نرجيلته
و في عينيه تلتمع دمعة لا إرادية
أنت تعرفه أيها القارئ, هذا الغول الناعم
أيها القارئ المرائي ـ يا شبيهي ـ يا أخي.

الحمق والضلال والإثم والشّح الاحتلال الاجهاد الندم التسول الطفيليات الدم الاثام الاعترافات الوحل الدموع الاخطاء الشر الشيطان السحر المغريات الهبوط جهنم التقزز الظلمات النتن الشياطين
الديدان الموت الانات الجنون الاغتصاب السم الحرائق الخنجر الشبكة الفهود والعقارب والسعادين وبنات آوى الوحوش تزمجر وتدمدم وتزحف
والعقبان والأفاعي والكلاب الآسنة الوضيعة الدمامة الخبث النجاسة قليل الحراك ضعيف الصوت التثاؤب الابتلاع الضجر المشنقة الدمع الغول .


أي شعر هذا و أي ابداع ؟
لا شك في ان ادراج كل هذه الكلمات في نص مترابط يعتبر عبقرية , و لكنها عبقرية الشر و التخريب و الدمار و التفلت و الانحلال ... و العبثية .

هذا هو مؤسس الحداثة !!!!!

أنا أستغرب تماما كيف انقلبت القيم و المفاهيم مرة واحدة في القرن التاسع عشر تحديدا , حيث بدأ الناس يتجمعون حول الخارجين على القيم و الاخلاق و المبادئ و الاعراف ,
و صار الزنديق و الفاجر و الكافر و الساخط على الله هو القدوة و هو الرمز .
و إذا كان بعض الحداثيين يتشدقون بأن بعض صعاليك العرب و المسلمين في العصر العباسي قد شقوا عصا الطاعة و حاولوا الخروج على الدين و الأخلاق و الاعراف السائدة مثل القرامطة ,
و الزنج و بعض الشعراء كأبي نواس , فإن معظم هؤلاء إما كانوا :
- من أصل مجوسي أو أعجمي من الحضارات التي كسر المسلمون انفها و رغموه في التراب , فحملوا حقدهم الدفين معهم حتى إذا سنحت لهم الفرصة بثوا سمومهم فاستقبلها الغوغاء من الناس
في ذلك الوقت , ومع ذلك لم تدم أفكارهم وتأثيرهم في الناس أطول من اعمارهم.
- و اما كانوا من اراذل العرب او الاعراب الذين لا يعرفون لدين حقا و لا لإرث خليفة.

ليست هكذا ثقافتنا
و ليست هكذا اذواقنا
و ليست هكذا اخلاقنا

قال غوته شاعر المانيا و اوروبا العظيم " لولا امرؤ القيس لقلت ان هوميروس هو اشعر شعراء العالم "
معنى ذلك ان امرأ القيس هو اشعر شعراء العالم في رأيه

فإذا كان أكابر أعلام الادب العالمي يصفون الشاعر و الشعر العربيين بالسمو على غيرهما من الشعر و الشعراء , أفنأتي نحن أصحاب الشرف الاسمى في هذا المضمار و في غيره فننزع عنا ما حبانا الله
و فضّلنا به و بسواه عن غيرنا , و نستبدل جلد الغزال بجلد خنزير ؟!