|
ما أشعلَ الجَمرَ إلا شِدّةُ اللّهبِ |
فاجمَعْ لنارِكَ تاريخاً من الحَطَبِ |
مازلتَ تركضُ والأيامُ راكضةٌ |
وما بَنَيتَ سوى جيشٍ من التّعَبِ |
مِن حيثُ تَبْدَأُ كانتْ تَنتهي قِصصٌ |
شاخَ الرُّواةُ ومازالَ الزَّمانُ صَبِيْ |
ضَمِّدْ جراحَكَ قَد أودَعتَها عُمُراً |
يَحتاجُ مِن شِدَّةِ الآلامِ صَبْرَ نَبِيْ |
يا قلبُ ليتَكَ أُمِّيُّ الهوى فإذا |
حانَ اختبارُكَ لم تُسألْ ولم تُجِبِ |
وليتَ شوقَكَ لا نَسْلٌ ولا وَلدٌ |
وليتَ شمسَكَ لَم تُشرِقْ ولم تَغِبِ |
يا قلبُ ليْتَكَ لم تَدفِنْ صِبَاكَ بها |
ولم تَذُقْ رَعشَةً مِن نَشوةِ اللّعِب |
يا وجبَةَ البعد يا طيرَ الفَضا قَطفتْ |
منه الرياحُ بقايا الريشِ والزَّغَبِ |
يا ذنبَ كلِّ ثواني الوقت يا خطأ |
خطَّ الغيابُ له المرسى فلم يُصِبِ |
تابَ الذين قضَوا في غربة عمُراً |
وأنت تكفُرُ بالرُّجْعَى ولم تَتُبِ |
عُدْ حيثُ جئتَ ولا تطوِ السنينَ سُدىً |
ما عادَ عمْرٌ مضى يوماً لمغترِبِ |
الأربعونَ وقد تَمَّتْ رَضَاعتُها |
وما فُطِمتَ من الآهاتِ والنَّصَبِ |
الأربعونَ وقالوا جهلةٌ وصِبى |
وأنتَ لستَ على الدنيا بمُحتَسَبِ |
وأنت تَخلُقُ أعذاراً لتُمسِكَها |
وقد رمَتْكَ بلا عُذرٍ ولا سَببِ |
وأنتَ أنتَ إذا لم تستطعْ عِنَباً |
زعمتَ أنَّ جَناها حَامِضُ العِنَبِ |
الأربعونَ خيالاتٌ بُليتَ بها |
تفيضُ جمراً على كُرَّاسَة الأدَبِ |
مُذ سجّلتْكَ على أدنى هوامشِها |
وأنتَ تَشرحُ شوقَ الناي للقَصبِ |
كَمْ مِن رسائلِ حبِّ حينَ تَكتبُها |
يطيرُ سِربُ حَماماتٍ مِنَ الكُتبِ! |
رتّلْ رؤاكَ على سَمْع السماءِ وطِرْ |
برفقةِ الغيم بينَ الصدقِ والكذِبِ |
الأربعونَ وهذا الليلُ أقرضَها |
ثوبَ السّهادِ وثوبَ الهمِّ والصَّخبِ |
كُتبْتَ فيها على قيْدِ الحياةِ ولم |
تصْفُ الحياةُ بها يوماً ولم تَطِبِ |
ها قد رُميتَ على أحضانِ أرملةٍ |
كانتْ تُخيطُ شراعَ الصبرِ بالنُّوَبِ |
عفراءُ قد صُبغتْ بالشمس وجنَتُها |
صحيحةُ النفْسِ والأعراقِ والنسبِ |
قد أودعتكَ يدَ النجْماتِ وارتحلتْ |
وأوصلتْكَ إلى بوابةِ السُّحُبِ |
وأنضجتكَ بنار لا لهيبَ لها |
كالشمسِ تفعلُ - رغمَ السَّعْفِ- بالرُّطَبِ |
وحصنتْكَ بحرزٍ من فضائلِها |
وأرضعتكَ صروفَ الدهر عن كَثَبِ |
ما غيّبَ الموتُ إلا رسمَ صورتِها |
يا ربُّ طيِّبْ ثرى حمّالةِ الكُرَبِ |
الأربعونَ بلادٌ شابَ مَفرِقُها |
من قسوةِ السّجنِ والسجان والحُجُبِ |
مخمورةُ الرأسِ في الحاناتِ يشربُها |
أهلُ السياسةِ أو في مجلسِ الطربِ |
الأربعونَ وليلى أنجبَتْ وَلَداً |
مِن بَعدِ جَدَّتِها لا يَنتمي لِأَبِ |
مكسورةَ الظَّهرِ تمشي شبهَ عاريةٍ |
بين الذئابِ تواري سَوءَةَ العربِ |
الأربعون وما مرَّ القطار به |
إلا ليُوصلَ رأسَ العمرِ بالذَّنَبِ |
مرَّتْ عليكَ وشعرٌ الرأس منطفئٌ |
فأشعلتْهُ كلَيلٍ ضجَّ بالشُّهُبِ |
ما ضرَّها أمُّ هذا الدهر لو رحمَتْ |
رأساً يشيبُ وقلباً فيه لم يشِبِ |
الأربعون وكم أودعتَها صوراً |
لمَن أتَوكَ ولاذوا عنكَ بالهربِ |
كأنكَ النارُ والمستأنسونَ بها |
ما بينَ مُبتعِدٍ عنها ومُقترِبِ |
ما أنصفوكَ ولو في حبّهم عَدلوا |
لأسكنوكَ بجوفِ القلب والهُدُبِ |
الأربعون وكم ألبستَها حُلَلاً |
فوق الجراحِ وكم رصّعتَ بالذّهبِ! |
الدمعةُ البِكْرُ لم تحجبْكَ عن أملٍ |
والصرخةُ الأمُّ لم توقفْكَ عن طَلبِ |
وقفتَ تخطُب من تحتِ الرمادِ بها |
وقلتَ: (ها أنا ذا) ما قلتَ: (كان أبي..) |