هجرناها الجبالَ الشاهقاتِ وآثرنا المباني الناطحاتِ
ورحّلنا الجمالَ بلا خطامٍ لتجهشَ من أزيزِ الطائراتِ
وروّينا المياهَ بفيهِ نكرٍ وعطّشنا أكفَّ المعصراتِ
وأنزلنا الكلابَ قصورَ ملكٍ تصوّتُ بالفصاحةِ للفلاةِ
وأسبلْنَا الرزايا هيتَ ستراً فسرنا بالثيابِ العارياتِ
أ جدّي كيفَ أنت اليومَ جدّي؟! وشتّانَ السماتُ من السماتِ
أ تهذي بالبداوةِ في بلادٍ صباياها يسرنَ بلا عباةِ
أتفخرُ بالمجالسِ يومَ كانتْ حديثَ تقىً وأخبارَ الرواةِ
تحنُّ لقهوةٍ ونزولَ ضيفٍ ونفحَ ربىً وأحوالَ الرعاةِ
تحدّثني وقد أرداكَ دهرٌ ولم تبقِ السنونَ سوى النواةِ
أ جدّي متْ ودعنا في حياةٍ يطيبُ العيشُ فيها بالمماتِ
هوى النَّفْسِ استحلَّ فتورَ لبٍّ ونوّمَ أصغرينا في سباتِ
وكأسُ اللهوِ يصحو حين يغفو فتىً بلغَ الهوى بالغانياتِ
إذا ما أسفرَ الإصباحُ نامتْ عيونٌ في سريرِ المدْنِسَاتِ
وتشخيرُ الأنوفِ طوى بيومٍ ليمُسى والصباحُ بلا جهاتِ
وعَيْنا حيثُ كان الجهلُ ثدياً رضعنا فارتوى عودُ العداةِ
وصبَّ الخوفُ في دمنا خضوعاً لحكّامِ الدناءةِ والغزاةِ
تغذّينا بنهشِ لحومِ بعضٍ ليقوى خلفَنَا نابُ الطغاةِ
أبي إنَّ الفتوّة في زماني بهتك العرضِ أو صيدِ البناتِ
وإنَّ سيادةَ الأقوامِ صارتْ لمنْ في محفلٍ يزجي الهباتِ
فلا تسألْ عن الأخلاقِ فينا وهلْ نبقيْ النوايا الطيّباتِ
ولا ترسلْ إلى الجيرانِ زاداً فأينَ جموعهم حينَ الصلاةِ
أبي إنّ النفوس بخاضعاتٍ وليستَ بالنفوسِ الشامخاتِ
فهذا غاصَ في الشهواتٍ عهراً وذا بالفكرِ ولّى في شتاتِ
وتلكَ تريدُ تسويةً لحقٍ متى كان الفتى مثلَ الفتاةِ ؟
وطلّابُ المدارس باجتهادٍ ودمجُ معلمٍ بمعلّماتِ
لتحصيلَ الدراهمِ دونَ علمٍ وتأبيدَ العلوم الخيّراتِ
ملأنا الدارَ نقشاً ثمَّ فرشاً وسفرُ العلمِ يشكو المكتباتِ
وألبسنا الزمانَ رداء مالٍ فجازانا بأفئدةٍ عراةِ
وأوكلنا السيوفَ أكفَّ رقصٍ أكفَّ شواربٍ لا الراقصاتِ
وأذنبَ من يخافُ الذنبَ دوماً بتأثيرٍ ومن جلِّ العصاةِ
نغضُّ الطرفَ عن ذكرِ المنايا فتدهسنا بأقدامٍ حفاةِ
ونرجو طول عمرٍ كيف كانتْ حياةُ المرءِ في نومٍ سباتِ
إذا ما كان منّا صاعداتٌ فكيفَ نقيْ سهامَ النازلاتِ!
أبي دعنا نعشْ أنْ ثمّ عيشٌ أبي لا تسألنَّ عنِ الحياةِ
إذا الجدباءُ شحَّ الغيثُ عنّها فلا تأملْ وجوداً للنّباتِ



رد مع اقتباس
