الهاربون



انطلق الصوت قائلا :


- نحن مجموعة من مدمني الهروب ، وعدم المواجهة ، واختلاق الاعذار المختلفة ، والتي لاتقنع غيرنا ، اننا قوم تعساء ، نؤثر الادعاء ونكثر من الكلام ، وتمزقنا النظرات وتفترسنا الكلمات ، وتخيفنا أي تهمة تقال ضدنا حتى لو كانت من طفل او مخبول ، آلينا على أنفسنا أن نعيش على الهامش ، وان نكتفي بفتات الحياة زاعمين أننا ذوو مروءة اعتدى عليهم أصحاب القوة ورفقاء السوء وكل من لا يرفق كلامه بحسن العمل..


أحببت أن أقاطع :


- هل حديثك هذا يصدر عن دراسة علمية ، أم مجرد ملاحظات عابرة


أزمعت رفع أصبعي ، نبهتني نظرة شزراء ،إلى ضرورة احترام وجهة النظر هذه والتي نجدها سائدة في وسائل الإعلام..


واصل الصوت الحديث عما يراه صائبا :


- قد تسوءكم اعترافاتي التي اجدها حقيقة تمخر يم الكذب والافتراء ، وتعلن أمام الملأ عن قوم لايحسنون شيئا الا دعاوى انهم مظلومون ومسلوبة منهم حقوقهم الكثيرة ، ولولا انهم تضرهم النظرات الثاقبة والعيون المتبحرة لكانت تصرفاتهم ادعى الى المنطق السليم..


ساءني حديثه ، وأجده متناقضا مع العلم ومبادئ علم الاجتماع ، هل يمكن التعميم في مثل هذه الأمور ؟ وكيف يمكن لمن يُشهد له بالكفاءة والموضوعية ، أن يتفق مع أعداء قومه في الإقتداء بوجهة نظرهم ، التي تجدنا قوما لا فائدة ترتجى منهم ؟


أصمت على مضض ، بعد أن أرى نظرات تحذيرية تصوب لي ،


ييبس فم الصوت ، يتوقف عن الكلام، متناولا جرعة من كأس الماء الموضوع أمامه ، ليستمر في حديث التقريع وجلد الذات :


-يكثر عددنا ، ويتناسل ، يتضخم ، نغدو شجرة كبيرة الاغصان ، عاقرا ، تنظر ببلاهة الى الآخرين الذين أحسنوا حرث تربتهم الجافة وأحالوها الى حدائق غناء ، نردد بلا تفكير


- نحن خير امة


تكثر الدعاوى ، وتنطلق المزاعم ، وتشوه الصفحات عن قوم لم يحسنوا حاضرهم ، وأسيء الى ماضيهم التليد ، وزورت ايامهم الناصعة ، واضمحلت ربوعها...



- نعرف هذا ، ولكن ما العمل ؟


- كنا خير امة ، فأضحينا اقواما منهزمين ، تفرقنا النعرات والطوائف ، وتشعلنا الحرائق المفتعلة ، وتسودنا الأذناب ، وتضطهدنا غيوم الصيف


افواه تتحرك باستمرار ، تردد كلاما مبهما وعبارات جوفاء ، عن غد لا ريب آت رغم انه لم يهيأ له ، ولم يستعد أناسنا له ، ببذل الجهد وإسالة العرق ، فمضت ايامهم كالحة ، لم يضيفوا شيئا ولم يتمكنوا من تحويل الدفة الى غير اتجاه المسار المرسوم..


ينطلق صوت مضاد من الجمهور المستمع :


- سنهزم الأعداء


يتظاهر المحاضر انه لم يسمع ، ويواصل الحديث :


- هل تعرفون ما ينقصنا ؟ توحيد الهمم ، ودراسة أسباب الخيبة ، ووضع المهم في صدارة الأوليات ، حينذاك يمكن ان تجد نتائج سارة ، فتتعالى الهتافات ، وتنطلق الحناجر ، وتتجمع الاقوام منشدة نشيدها الازلي ، وتتراص الصفوف ، وتتشابك الايدي ، وتبتسم العيون ، معلنة عن قرار كبير لتغيير الدفة الى عكس التيار ، و مهما كانت الدعوات المضادة


- انتم قوم جبناء


، فإنها لا يمكن ان تنطلي علينا ، تنطلق النداءات و تتوحد الحروف ، وتتوحد العزائم ، ويرسم المصير ، عن قوم مهزومين آلوا على أنفسهم أن يغيروا طعم الهزيمة الى انتصار


- سوف نسحقكم


يتضخم الموج ، وتنطلق الأكف ، وتتوحد القرارات ، ويكبر البحر ، ويسير البركان ، و تزرع الارض الطيبة شتلات من النعيم


- سوف نلقنكم درسا


يندفع الموج ، تتلاحم الايدي ، وتتشابك الاذرع ، تنطلق افواج لايحدها حد


- نحن الغد


تنطلق الاصوات منذرة ، يهل الوعيد


- سنفنيكم


يسير الصف باصرار وعزيمة ، تفتح الابواب ، و يولي الخوف مذعورا ، وتنطلق الارض تغني مرحبة بالعطاء الجديد..


صبيحة شبر