المـجنـــــــــــون




قصة قصيرة

بقلم / محمد وهبة





قال : عندك اكتئاب .......... هل تفكر كثيرا ً ؟

قلت : وماذا في هذا ......... هو التفكير حُرُمْ ؟!

بادرني قائلا ً : لا أقصد ذلك ، بل أقصد أنك ربما تفكر أكثر من اللازم ............. أهناك مشكلة ؟

ابتسمت في يأس : لا تهتم ...

رد بحماس : كيف ........ واضح أنك استغرقت في التفكير حتي أصابتك هذه الحالة .

أجبته بملل : احتمال .

نظر إليَّ غاضبا ً : احتمال ؟ ... احتمال اِزَّاي

... ألا تعلم هل استغرقت أم لا ؟!

ببرودٍ قلت : لنفترض ..... استغرقت الموضوع و المحمول ......... أتحب أن أستغرق شيئا ً آخر ؟!

لم تفارقه النظرة الغاضبة : ستقتل نفسك أيها الغبي .....

همست لنفسي : ليت ذلك ...... ولكن .. كيف ؟؟؟

ازداد غضبه حتى ظننت أنه سيلطمني علي وجهي ...... : لقد نصحتك كثيرا ً أن تعيش حياتك بعيدا عن الانفعالات .

قلت ــ و أنا أنظر إلي الهلال الذي يضئ الكون بنور الحزب الوطني ــ : و كيف لعاقل ٍ ألا ينفعل ؟!

قال : اصبر .

فتحولتْ عيناي إلي سفينة الصحراء القابعة بجوار الهلال الخصيب

أردف قائلا ً ــ وقد أبدى تفهما ًــ : هذا هو واقع مجتمعنا.. ولابد أن نعترف بذلك .

همست فيما يشبه الصمت : الاعتراف سيد الأدِلَّة .

ثم التفتُّ إليه قائلاً : ولكن كيف نعترف بما نرفض وجوده أصلا ً ؟!

رد بثقة : بأن نتكيف مع واقع المجتمع الذي نعيش فيه .........

كان يتكلم بصوت ٍ مرتفع ٍ .. بينما ينظر إلى مجموعةٍ من الشباب يجلسون بالقرب منا ويلعبون الطاولة ، و كأنه يلقي محاضرة في أساليب التكيف الاجتماعي .

ولكنني قررت أن أهدم شيئا ً من هذا الصرح النرجسي .. فبادرته قائلا ً: وهل تكيفت أنت ؟.

تسائل مصعوقا ً : أنا ؟

أجبته بتحد ٍ : نعم أنت ... لم أنت متوتر هكذا ؟

نظر إلي َّ و هم َّ بالرد , إلا أنه تراجع في اللحظة الأخيرة تاركا ً ليَ الميدان , فقلت : دعني أُجِبْ عنك ، ... لقد كنت تعمل منذ طفولتك , حتي تساعد في دخل الأسرة , و أشهد أنك استطعت أن تكمل تعليمك الجامعي , و حصلت علي ليسانس .........

ويالَهُ من ليسانس ........ليسانس في الفلسفة ... الفلسفة .. تلك التي ما أكسبتك إلا مزيدا ً من الفهم و مزيدا ً من العذاب , ثم ها أنت تقارب الأربعين ... و لا جديد ..., لأنك لا تملك من حطام الدنيا .. سوى مكتبة ٍ مكتظة ٍ بكتب ٍ في الدين و الفلسفة و السياسة .... و بعض دواوين الشعر , بينها ديوان .. , كتبته أنت بدماء أحلامك المقتولة عمدا ً في مجتمعك هذا .., ديوان وحيد ..... , هو كل ما كتبته أنت .., ديوان ليس له جمهور سواك و سواي .... وبعض الصِبية المولعون بالخطابات الغرامية , ......

وبعد كل ذلك .....تأتي لتحدثني عن الاكتئاب و التكيف الاجتماعي ؟!

يا لسخرية القدر..

لم أهتم برد فعله , فقد كنت أتحدث و أنا أتجول بناظري َّ في زحام الشارع المواجه للمقهى , و أتابع ملصقات الانتخابات , و مظاهرات أطفال المدارس من أجل فلسطين و العراق ،....

وعندما التفت إليه لم أجده ...... لم أندهش .., فلقد وجدت ــ كالمعتاد ــ أطفالا ً يلتفُّون حولي .. و يشيرون إليَّ ..... و يضحكون .





تمــــــــــت