ألقيتِ في اليم والأمواجُ وادعةٌ
شِصاً وكان بعمق الماء مرماكِ
فقلت ُواعجبي من صائدٍ وله
وشائج القُربِ في بحرٍ واسماكِ
أم كان غاب عن الشطآن عاصفةً؟
و أقصرت عن ضرام النار عيناك؟
أي يا ابنة البحر لو تدرين أشرعتي
مزقتُها وثوت في البيد أفلاكي
أضرمت نار قلى في الفلك فأشتعلت
يا نفس فاضطرمي في نار مجناك
كم ادعيتِ مُحالَ الخُلدِ وانتُقِضَتْ
أقوالُكِ الغُرِّ واستنكرتُ دعواك!
أما (جهنم ) باتت جنة ً وعلت
أسوارُها ورمت للريح أشواكي
و اشّقَقَ الصّخرُ من فرط الجَدا وجرى
ماءً فيا كوثرَ الفردوسِ رَيّاك
والبدر غاب فليلٌ سرمدٌ ودجى
يبرقع الفجر أحلاكاً بأحلاك
فقلت: ( لولا بنيتِ الصرحَ وارتفعت
للشمس كفُك مدماكاً فمدماك!
و خلني للمدى والريحِ أغنيةً
و القبراتِ ونايي الثاكل الباكي
و خلني لقراحِ الحقل أزرعه
أمرغ الكف في الاوهاد أنساك
من يوم أبدلتُ في شرع الهوى نُسُكي
كفراً وأبدلتُ بالأوشاج أشراكي
أستمطرُ الغيث دمعاً ساقه حَزَني
اروي به ظمئي ... أنْ شَحَّ رياك!
أروي شقوب فؤادي بل يباب دمي
فيعشب الطين في نجدي و دكداكي
يا طين روِّ شغاف القلب بي ظمأٌ
يا طين جف دمي في ناب سفاكي
لولاكِ ما مرت الأنداء في مدني!
ولا عشقتُ لزوب الطين لولاك!
وما تَفَلَّتَ حبلُ الموت من عنقي
وأنزلَتْهُ عن الأعواد كفّاك!
فخلِ غيثكِ حلماً ازرقاً ودعي
قحطي و إياك أن ترويه إياك
فإنني اليوم آثرت الشِّناق ولم
اخفِ ضرام دمي أو حيف أسلاكي
خليتُ للبحر شكوى نورسي ومضت
تدور في شظف الأنواء أفلاكي
في كل صبح أرى في الحقل قبرةً
تشدو لفاغمةٍ أو عندلاً شاكي
فيعبق الحقل تغدو الريح أغنيةً
حمقاء تُصمينَ عنها رهف أذناك
يوشوش الأحمق المغرور سنبلةً
والسنبلات مِياسَ الأحمق الحاكي
يحكي لها عن فصول العشق ثرثرةً:
ما كنتِ تدرين لولا العشقُ أدراك
فتنحني لمهبِّ الريح طائعةً
فالحمقُ أثمرها والرُّشد أضراك
أرسلتُ في مقلتيك العشق أغنيةً
هدباء فائتلقت بالرغد عيناك
أرسلتِ عصفك في الأحداق أحرقَهُ
وذرَّهُ ورماه في المدى فاك
فصغتُ من قسمات الريح حنجرةً
أشدو لما هدمت بالقبح كفاك
فاشتد في اليم وهج النار واحترقت
من لفحها سفني وازورَّ ممشاك
واستوطن القحط في حقلي وفي مدني
واستعمر القبحُ واعتادته عيناك
لو تنظرين إلى المرآة لانتفضت
وأنكرت قبح ما أبداه مرآك
فغادري مدني أو فامكثي عبثاُ
سيان عندي فلست اليوم أهواك
آمنت بالحمق والأنواء فاتسقت
خرائبي فدعيني الله يرعاك
ولذت بالظمأ المسكون في كبدي
من جنَّةِ الخُلد فيها عذب رياك! )
ها يا ابنة البحر هذا فصل أغنيتي
وسوف تذرو فصولُ الريحِ أشواكي.