كابوسٌ مُتَسَوِّل

(1)

في اللحظةِ التي زَحَفَت بها سَحَابةٌ ضالَّةٌ وأطفأتْ ضوءَ بدرٍ في تمامِهِ من ليلةِ صيْف، تَرَنَّحَ بريقُ نجمةٍ ثَمِلةٍ تناوَبَتْ كسرَ ضوئِها وُريقاتٌ مُحَدّبةٌ حتى تسَرّبَ بعضُه خلالَ ثقبِ نافذةٍ مُزيحاً السَّترَ عن هواجسِ طِفلةٍ في شُروقِ ربيعِها تُصَارِعُ كابوساً في نومها ويصرعها ، فتستيقظُ من قبضتِه فارَّةً لمخدعِ والدِها تبحثُ عن صدرٍ إليهِ يضمُّها.....وهل صدرٌ كصدرِ الأُمِّ يُتقنُ ضَمَّها؟.
وصلتْ..لكنَّ الحجرةَ خاويةٌ ، فمضت هائمةً تبحثُ في أرجاءِ المنزلِ عن صدرٍ والبحثُ يؤولُ إلى "المفقود".
بذلكَ جاوزَ خوفُ الطفلةِ بابَ المنزلِ يطوي الرّملَ ويطرقُ أبوابَ المجهول.



(2)

تناقُصُ الطاقةِ استوْقفَ خوفَها وطمْأنَها سكونُ الليلِ فاسترختْ. وبينما تراجعَ نبضُها ماضٍ إلى مُعَدَّلِه إذ بصوتٍ مُقلِقٍ لسكينةِ الأجواءِ يُفزِعُها ويقتربُ، فجرْجرتْ أطرافَها هرباً واشتمَّها أنفُ الغريبِ ولاحقتْ خطواتُه طرْفَ الإزارِ فشدَّهُ وتعثَّرَتْ، وجَثَى البدينُ بركبتيهِ على النّحيلةِ مغلقاً فاها وقيَّدَها بإفراطٍ فسالَ الدَّم. ضَحِكَ الغريبُ مُمَرِّراً طرفَ اللسانِ على يديه.. أيُّ كابوسٍ ذاك الذي يُطارِدُها؟؟..بل أيُّ كابوسٍ هذا الذي فَرَّتْ إليه؟؟



(3)

حملَ البريئةَ من تلابيبِ الإزارِ مُنّقِّباً عن نصفِ قرنٍ مُزْهَقٍ في بؤرتيه، والطفلةُ المُزرَقَّةُ الأطرافِ قد أُغشَى عليها .أسِفَ التغطرُسُ من يديهِ وناحتْ الدُّنيا عليها.

ألقَى بها في القَبْوِ فَوْرَ وُصُولِهِ ، حيثُ العناكبُ بَطَّنَتْ جدرانََه بخيوطِها ، وبِجَوِّهِ القَذِرِ القوارضُ في مواعيدِ التكاثُرِ تستجيرُ تَطَفُّلاً ويجيرُها.

ذاك الغريبُ أَذَلَّها بتَمَتُّعٍ ، وبخوفِها كانت تَبُوُل أمامَهُ في القبوِ أينَ أذلَّها. وَبِلِذَّةٍ ما انفكَّ يَسلِبُ دمعَها ، فالماءُ كي تحظى به تبكي وترجو ركبتيه.. منْ أيِّ كابوسٍ تُرى هَرَبت هنا؟؟..بل أيُّ كابوسٍ هنا هربت إليه؟؟
!


محمود أبو سل
صيف 2005