أبي هل تحبّ الوطنْ؟
نعم يا بنيّ أحبّ الوطنْ
أليس هو الدار و الْمُلْتَجَا و السكنْ
أليس هو الأمّ في حضنها قد كبرنا
و من دَرِّها قد سُقينا
بأشهى لبنْ
أليس هو الأبُ من عطفه
و حنان يديه غدونا رجالا
تحدّتْ صعاب الزمنْ
فكيف بنيّ لمثليَ ألاّ يحب الوطنْ؟

ولكننا يا أبي في ضياع
نعيش على الذل و القهرمن غير مأوى
فأين السكنْ؟
و نحيا على الفقر و الجوع
فالزاد أصبح غالي الثمنْ
فأين هي الأم أين الحنان؟
و أين أبونا الذي دائما
معنا لم يكنْ؟
أبي نحن نحيا بلا هدفٍ
نحن نمضي بلا غايةٍ
و ولاة الوطنْ
يمدّوننا كلّ يوم بألف مصيبهْ
و يختبئون
و ندفع نحن الثمنْ
أبي هم يصبّون كأس المصائب فينا
و نحن صبرنا على ظلمهم مرغمينا
لأنّ الرعيّة ليس لديها سلاح
به تتقي الظالمينا
و ليس لديها لسان يئنْ
أبي نحن نحيا بهذا الوطنْ
دُمًى ليس تفهم معنى الوطنْ
فليس سوى أن نسير بنهج خطاهم
إلى أن تخور خطانا
وتسبح أقدامنا في بحار الوهنْ
فمنذ وَعَيْنَا
و نحن نسير إلى الهاويهْ
و نخرج من محنة لمحنْ
فكيف أبي كيف تهوى الوطنْ؟
ولا شئ فيه جميل
فلست أرى غير شوكٍ
و غير عفن

بُنَيَّ
برغم العذاب الذي فيه نلقى
برغم تَذ َمُّرنا حين نشقى
برغم الأسى و الحَزَنْ
برغم المآسي
برغم المصائب إنّي
بنيّ أحبّ الوطنْ
برغم السياط التي
قد تعوّد جسمي عليها
و أدْمَنْتُ شيئا فشيئا عليها
فصارت إذا ما دعتني
أجيءُ بشْوقٍ إليها
و لا أتكلّمْ
فلحمي إذا لم يعذبْ
بها يتألّمْ
وجلدي إذا ما تفارقه يتورّمْ
فأين العذاب بنيّ إذنْ؟
و كيف أنا لا أحبّ الوطنْ؟
بُنيّ أنا قد تعوّدتُ حتّى
على القبح فيه
فصار القبيح بعيني حسنْ
و صرتُ إذا ما رأيتُ الجمال
أحسّ دُوارا برأسي
و أشعر أنّيَ في حاجةٍ للوسنْ
فكيف بنيّ أغيّر هذا الوطنْ؟

كفى يا أبي ما نعانيه مرّ المذاقْ
و لكن أمرّ
و أصعب منه احتراف النفاقْ
لماذا تقول بأنّك تهوى الوطنْ
و أنت فَقَدْتَ انتماءك ..
..ذاتكَ..
..صوتكَ فيه
و ضيّعت روحك فيه و ضاع البدنْ
وضعنا معًا
بعد أن صار حاكمُنا المؤتمنْ
يبيع لنا موتَنا و الكفنْ
أبي ألف عذرٍ
فإنّك لستَ تحبُّ الوطنْ
ولكن تخاف
إذا قُلْتَها في العلنْ
مِنَ انْ يتركوك بدون هويَّهْ
فتحيا بقيّة عمركَ
بين الصعاليك دون انتماءٍ
و دون قضيّهْ
أبي لا تخفْ، ثمّ قُلْها
فإنّ حياةَ الصعاليكِ أرقى
من العيش في
.
.
.
وطنٍ
جاهليّهْ


ذات غضب
2002