مفارقة..!!

فارقتني ففقدتُ - مُذْ ذَاك - الهدى وهجرتني , والهجرُ بدَّدَني سُدى
وسلبتَ عُمرًا – فيكَ قدْ أهدرتُهُ - فرَّقتَهُ قِدَداً تلاشتْ في المدى
ياليتني ماقد عرفتكَ مطلقا ياليتني ماقد عشقتُ مُجَدَّدا
أين الذي قدَّمتُه ؟ رغم الجفا أين الذي أوَّدتُه فتأوَّدا ؟ (1)
أين انعطافي واتِّقادي والوفا باتت حطاماً - في الشعاب - مُرمَّدا (2)
أين الصَّفا – ويلاي- كدَّره النَّوى وغدت ليالينا رجُوماً صُرَّدا (3)
ومضت تراتيلُ الهوى في حَيَّنا حُلُمَاً تَمَشَّع في الدُّجى وَتَفَنَّدا (4)
ألبستني ثوب الضَّنا و ظلمتني و عَمَيتَني , لمَّا حسبتُكَ إثْمِدا
و شهدتَ معترك التّوجُّدِ في دمي فضربتَ صفْحًا عنْهُ , باتَ مُشرَّدا
و شَقَقْتَ - في صَلَفٍ - عُرى أشواقنا و أنا التي وثَّقتُ حبُّك مُذْ بدا
و أنا الّتي أُشربتُه لك َخالصا وَ خَصَصْتُ قلبَكَ – في الصبابةِ - مُفردا
و أنا الّتي أبدعتهُ لكَ صادقًا وأنا الّتي قطَّرتُهُ فتشهَّدا(5)
و أنا التي آويتُ توقَكَ كلما عصفتْ به ريحٌ فهاجَ و أزبدا
و أنا التي خالطته لك بي أنا وَ سلخْتَهُ عن روحهِ فَتَفصًّدا (6)
فرضيتَ قتلي دون أيِّ جريرةٍ و رغبتُ أن تبقى الرَّضِيَّ الأسْعدا
و نسيتَ وصلاً من يَدِيّ جنيتَه و جزيتني هجرا ظلوما جَلْمَدَا
أسقيتني غُسلَ القـُراح و لم تزل تسقي رياضي القيحَ في كأس الصدا (7)
و رشفتَ من عرقي شعوراً صادقا و تركْتَهُ , إذْ جفَّ , من بعد الندى
و عبثتَ في روحي شَقِيَّاً مُعْتِبا و تركتَ أنفاسي لهيبًا أسودا (8)
وَ غزوتَ أحنائي حنيناً جارفا و تركتَها مِزقًا ليهتكَها الرَّدى
و بلوتني بالشَّوق يرشق مُهجتي و نثرتُه لكَ حَالِماً ومُوَرَّدا
و مسحتُ دمعَكَ - أفتديه – بأضلعي و حَطَمْتَ ضلعًا – في هُيامِكَ - مُجهدا
و يلاي منكَ فقد ألفتكَ صاحبا و الآن يصحبني الفراقُ تَوقُّدا
ماذا أروم الآن من دهري سوى طيفٍ يفرِّق مُهْجَتِي كَمَداً غدا
صاحبتُ غيظكَ – و السماحةُ في يدي - وصحبتَ أوجاعي مَلوماً مُرعِدا
أشقيتَ أورادي الندية بعدما غنَّى لها طيرُ الغرام و غرَّدا
و شكوتني وأنا التي أشكو الضنا و بكيتَ منى ظالماً مُتَمَرِّدا
و نشرتَ حرفكَ مُرعِـفا و مُسَيَّفا و بقيتَ حتى في ضلالك سيِّدا
ألهبتَ قافيتي , فشعري قد غدا برقاً يُسابقُ لَوعتي مُتَعَمِّدا
قلْ جاحداً قلْ ناقماً قل ساخطا قل ما ارتضيتَ – من الكلامِ - مُهدِّدا
إني وجدُّتك ثائراً لاترعوي أبدا و لا ترجو خلاصي مُبْتَدا
و وجدتُ أنكَ مذ نشأتَ مُدلَّلا تلقى الجواري – في بلاطِكَ - سُجَّدا
و وجدتُ ظنَّك بي رديئاً أجعدا لمَّا يقيني قدْ حباكَ الأجودا
أنسيت طعم الوصل مني – خمرةً - و هربتَ من حِضني لترميني عِدا ؟
و نسيتَ صمتكَ عابساً متجهِّما و براحتي سويَّتُه , فتنجَّدا (9)
نشَّبتَ أوقاتي على خُشُبٍ النوى أبكي هواني , إذْ نسيتَ الموعِدا
أقبلْ وكَفِّرعن ذنوبكَ راضخا قيَّدت قلبي مجبراً فتقيَّدا
إنِّي برئتُ الآن من لومٍ مضى جنّدتُ حرفي لاسعاً فتجنَّدا

.................................................. ....................................
(1) أوَّدته فتأوَّدا : عطفته فانعطف
(2) مرمدا : أي متحول إلى رماد
(3) صُرَّدا : أي خالصة للرجم, متفرقة ً ليس إلا , والصرد : الخالص من كل شيء
(4) تمشَّع : تقطَّع وانتهى
(5) تشهَّدا : صار شهداً .
(6) فَصَد وتفصّد : أي انشقّ عرقه
(7) صدا : أصابه الصدأ بالتخفيف
(8) الأسودا : الدُّخان
(9) التنجيد : يأتي بمعنى التهذيب في اللغة.