التحدي بالكفاءة و الإبداع ... سمير العمري نموذجا

تعد الاتهامات من القضايا الشائكة في عالم المعرفة و الأدب و الفكر,في حين تلعب العصبيات بمختلف تجلياتها ـ فكرية ,علمية,أدبية,سياسية,عرقية إقليمية و غيرها ـ دور الباعث الأكبر لها,و الموقد الأشد لنيرانها, و هي لحقت الكثير من المبدعين و المشاهير على مر العصور و بمختلف الأمصار,و في حضارتنا العربية و الإسلامية حسب المرء أن يعاين كتابا من كتب الرجال و التراجم أو مصنفا من مصنفات الملل و النحل أو مؤلفا من مؤلفات التاريخ و الأدب ليقف بجلاء على الكم الهائل من التهم التي طالت معظم المبدعين و الرموز.
من أخطر هذه التهم قضية السرقات و التي تعد من أعقد قضايا النقد الأدبي القديم,إذ حظيت بعناية فائقة و أفردت لها أبوابا في المؤلفات و الدراسات بل حازت أحيانا مؤلفات خاصة بها,و لاحقت معظم الشعراء المشاهير من طرف النقاد,وهي في النثر معدودة لكن استفاضتها امتدت حول الشعر,و امتدت لهذا العصر كذلك.
في حين واجه الأدباء و الشعراء هذه التهم بأساليب و طرق مختلفة نقف هنا على إحداها و هي المواجهة عبر التحدي بالكفاءة و الإبداع و نستعرض الشاعر سمير العمري نموذجا لهذا المنحى من المجابهة و الاستعلاء عبر الإنتاج و الإبداع.
و المغزى أن السرقة إنما تتأتى من ضعف الصنعة و نقص الملكة العلمية و عجز المقدرة الأدبية,في حين أن سمير العمري شاعر مقتدر لا تنقصه المقدرة على الإبداع حتى يلتجئ إلى السرقة و الانتحال,ووفرة إنتاجه و تفرده تقف حاجزا منيعا ضد أي اتهام لشاعريته.
من هنا نستيبن أن مسيرة الشاعر خير دليل على صدقيته و إبداعيته من غير حاجة إلى الرد المباشر و التتبع لكل طاعن و هادم,بل إن الإنتاج و الإبداع يحلي صاحبه المكانة المستحقة.
و كان أكبر تحد منه لخصومه قصائده بعد التهمة,و هي ثلاثة قصائد أفحمهم فيها و تحداهم فيها و هي :

برزخ الحفظ

و عفا الله عنك

ثم كف و إزميل.


فيما يلي نستعرض بعضا من أبيات هذه القصائد القلائد و التي تعد أكبر دليل على شاعرية العمري و أنه من المميزين في هذا الفن:
في قصيدة برزخ الحفظ يتحدث الشاعر عن مقدرته الشعرية و ملكته الإبداعية و آرائه الفكرية متحديا إدعاءات خصومه و اتاهماتهم بأبيات تغني عن كل حجاج و جدال :
مُحِيطٌ أَنَا لِلشِّعْرِ قَاعِي مُمَرَّدٌ وَمَائِيَ مِنْ عِطْرِ الزَنابِقِ أَو أَصْفَى
وَصَيدُ مَجَالِي جَاوَزَ المَدَّ وَالمَدَى وَبِنْتُ خَيَالِي لا يُحَاطُ بِهَا وَصْفَا
وَمَا كُنْتُ أَرْضَى الحَرْفَ إِلا نَسِيجُهُ حَرِيرٌ بِأَحْدَاقِ الجَوَاهِرِ قَدْ حُفَّا
أُغَنِّي ؛ وَمَا فِي النَّايِ إِلا حُشَاشَتِي تَرَانِيمَ قَلْبٍ لا أَكِلُّ بِهِ عَزْفَا
بِشِعْرٍ سَرَى فِي الصَّدْرِ كَالبَدْرِ فِي الدُّجَى يُلامِسُ فِي الوجْدَانِ بِالنُّورِ مَا اسْتَخْفَى
وَفِكْرٍ جَرَى فِي الدَّهْرِ كَالنَّهْرِ فِي الحِجَا يُطِيبُ لأَهْلِ الرَّأْيِ مِنْ نَبْعِهِ الغَرْفَا


ثم يتساءل مستغربا أن يقرب المشين من الأوصاف من مثله في حكمته و شاعريته و عطائه الإبداعي المتفرد :

فَكَيفَ يُنِيبُ العَبْدَ مَنْ كَانَ سَيِّدًا وَكَيفَ يَسُومُ النِّصْفَ مَنْ يَمْلكُ الضِّعْفَا
وَلَو كُنْتُ مَخْبُولا لَمَا كُنْتُ جِئْتُهَا فَكَيفَ وَقَدْ كُنْتُ الحَكِيمَ الذِي يُقْفَى

و يعلل بما سماه برزخ الحفظ و يدلل باللآلئ و اجتماعها في عقد متناسق رغم تباين ألوانها و اختلاف أصولها ,لكن هذا لا ينقص من شاعريته و إبداعيته,فهذه الأبيات و التي مردها برزخ الحفظ ليست من أجود ما نظمه و لا أحسن ما قاله :
وَلَكِنْ دَهَانِي بَرْزَخُ الحِفْظِ للِأُلَى وَإِبْدَاعِ نَظْمِي بِامْتِزَاجٍ وَقَدْ أَغْفَى
أَمَا اخْتَلَطَتْ بِيضُ اللآلِي وَسُودُهَا؟ فَكَيفَ جَرَتْ فِي السِّلْكِ وَانْتَظَمَتْ صَفًّا؟

و في قصيدة عفا الله عنك يتابع العمري نفس النهج باستماتة مبدع و إبداع شاعر متفرد يأتي بإدعاء الخصوم :
يَقُولُونَ: نَهْرُ القَصِيدَةِ زَيْفٌ فَلا تَشْرَبُوا حَرْفَهُ الكَوْثَرِيّْ
لَقَدْ صَبَّ فِي فَيضِهِ بَعْضُ وَشْلٍ فَمَا هُوَ إِلا سَرَابٌ وَعِيّْ


و يفنده بنسج هو من روائع و درر الشعر وهو رد للتهمة بنقيضها و اقتلاع لها من أساسها و إثبات لنفيها و تحقيق لمقابلها وهو الشاعرية الفذة و الإبداع المبهر.
فَلَوْلا تَفَكَّرْتَ فِي الأَمْرِ مَحْضًا لَكُنْتَ رَأَيتَ الصَّوَابَ الجَلِيّْ
فَكَيفَ يَصِيدُ الحَشَائِشَ لَيثٌ؟ وَكَيفَ يُرِيدُ الخَشَاشَ الغَنِيّْ؟
وَقَالُوا: اسْتَبَاحَ بُيُوتَ قُرَاهُمْ فَأَينَ القُرَى كُلُّهَا مِنْ دُبَيّْ؟
أَنَا عَبْقَرِيُّ البَيَانِ المُعَلَّى بِرَغْمِ الحَقُودِ وَرَغَمِ الغَوِيّْ
أُدَاعِبُ حَرْفِي عَلَى وَقْعِ عَزْفِي وَأُشْهِرُ سَيفِي بِنَقْعِ الرَّوِيّْ
جَثَا الشِّعْرُ وَالنَّثْرُ عَبْدَيْنِ عِنْدِي وَمَا كُنْتُ أَحْفلُ يَومًا بِأَيّْ

أما قصيدته كف و إزميل فهي إبداع يعيدنا إلى زمن الشعر الحقيقي,و عصر النوابغ اللوامع,الذين عز أن تجد لهم بقية في زمن كثر فيه المدعين.
فهي تشمل صفاء الفكرة, و جودة البنية ,و سعة اللغة و تصاريف الكلام ,و جولان ممتع في الاشتقاق ,و المآخذ البديعية في الاستعارة و التشبيه ,و غرائب التصرف في الاختصار و لطف الكناية في مقابلة التصريح و فن السمو في أكناف المقاصد و المطالب.
ليس لي الإحاطة بهذه الدرة اليتيمة و المعلقة الرصينة,لكني سأحاول أن أقطف من بين ثمارها بعضا مما يناسبني هنا, وهو ما يرتبط بالتحدي عبر الإبداع و الإمتاع وصولا إلى الإقناع.

مطلع القصيدة :
أَبْكِـي اشْتِيَاقًـا إِليهَـا وَهْــيَ تَبْـكِـي لِــي وَأَشْتَكِـي مِـنْ أَذَى الدُّنْيَـا وَتَشْـكُـو لِــي
أُفَـتِّـشُ الـشُّـهْـبَ عَـنْـهَـا وَهْـــيَ غَـائِـبَـةٌ وَأَفْـرشُ القَلْـبَ مِنْـهَـا وَهْــيَ تَــأوِي لِــي
مَــا كُـنْـتُ أَطْـمَـعُ مِــن نَـجْـوَى مَـوَدَّتِـهَـا إِلا بِـقَــلْــبٍ بِــمَـــاءِ الـطُّــهْــرِ مَـغْــسُــولِ


يتحدث عن غربته الشعورية و التي ترافق غربته المكانية فهو مهاجر عن وطنه فلسطين و عن جفاء الذين أكرمهم و حلاهم من شاعريته و مما لاقاه من رد الكرم بالسخط و الأذى :
أَنَـــا الـغَـرِيـبُ طُـيُــورُ الأَرْضِ تُنْـكِـرُنِـي لا الرِّيشُ رِيشِي وَلا الأَلْوَانُ تَحلُو لِـي
إِذْ تَأْكُـلُ الخُـبْـزَ مِــنْ شِـعْـرِي وَتَنْقُـرُنِـي وَتَلْبـسُ الخَـزَّ مِــنْ قَــدْرِي وَتَجـفُـو لِــي
هَــا قَـــدْ بَـلَـغْـتُ عِـتِـيًّـا وَانْـحَـنَـى أَمَـلِــي أُقَـلِّـبُ الـدَّهْـرَ لَــمْ أَعْـثُــرْ عَـلَــى جِـيـلِـي
وَهَــبْــتُ كُــــلَّ حَـيَـاتِــي كَــــفَّ مُـجْـتَـهِــدٍ وَعِشْـتُ أَكْـثَـرَ عُـمْـرِي عَـيْـشَ مَـخْـذُولِ
أَطُــاعِــنُ الــدَّهْــرَ عَـنْـهُــمْ كُــــلَّ نَـابِـيَــةٍ فَيَطْعَـن الـقَـومُ فِــي فِعْـلِـي وَفِــي قِيـلِـي
وَأَسْــتَــحِــثُّ إِلَــــــى الـعَـلْــيَــاءِ هِـمَّـتَــهُــمْ فَـيَـنْــهَــضُــونَ لِـتَـشْــكِــيــكٍ وَتَــشْــكِــيـــلِ

و بعدها يبين الأقدار و الفوارق بينه و بين الأغيار و الطاعنين :

يَعِـيـبُ فِــيَّ الحَـسُـودُ الـقَـدْرَ مُمْتَـعِـضًـا كَــمَــا يَـعِـيــبُ قَـصِـيــرٌ فَــــارِعَ الــطُّـــولِ
وَيَــعْـــذِلُـــونَ سَــمَـــاوَاتِـــي وَأَجْــنِــحَــتِــي وَمَـــا عَـلِـمْــتُ حَـلِـيـمًـا غَــيــرَ مَــعْــذُولِ

و يستعير دررا من القرآن ليرسم لوحة بديعية مبهرة تؤكد تفوقه و سمو شعره و علو بيانه دوما عبر الإبداع و الشاعرية:

شِعْرِي مِنَ المَنِّ وَالسَّلْـوَى لِـذِي سَغَـبٍ وَشِـعْــرُ غَـيــرِي مِـــنَ الـقِـثَّــاءِ وَالــفُــولِ
وَلَـــيــــسَ يَــجْــحَـــدُهُ إِلا ذَوُو غَـــــــرَضٍ أَوْ مُــرُّ نَـفْـسٍ حَـسُـودٌ غَـيــرُ مَـحْـمُـولِ


ثم يصدح بعدها مغنيا للجمال و الخيال و النضال ثم البلاد فالرشاد و الوداد :

لِمَـنْ أُغَنِّـي؟ فَرَاشَـاتُ المُـنَـى احْتَـرَقَـتْ وَحَـــطَّـــمَ الــلَــيــلُ أَنْــــــوَارِي وَقِـنْــدِيــلِــي
لِمَـنْ أُغَنِّـي وَفِـي عَيـنِ الـمَـدَى غَـلَـسٌ وَفِـــي الـمَـرَايَـا عَـرَايَــا فِـــي الـسَّـرَاوِيـلِ؟
لِمَـنْ أُغَنِّـي وَنَـايُ الشِّعْـرِ فِــي شَفَـتِـي يَـكَــادُ يَـجْـهَـشُ مِـــنْ رَجْــــعِ الـمَـوَاوِيــلِ
أَلِـلـجَـمَـالِ؟ أَمَــــا ذَابَ الـجَـمَــالُ عَــلَــى لِـسَـانِ حَـرْفِــي بِـشَـهْـدٍ مِـنْــهُ مَـبْــذُولِ؟
أَلِلخَـيـالِ؟ وَهَـــلْ كَـــانَ الـخَـيَـالُ سِـــوَى إِبْــدَاعِ مَــا هَمَـسَـتْ رُوحِـــي لجِبْـرِيـلِـي
أَلِلنِّـضَـالِ؟ حُـرُوفِــي ثُـــرْنَ فِـــي شَـمَــمٍ حَــتَّــى انْـتَـظَـمْــنَ جُــنُـــودًا بِـالـسَّـرَابِـيـلِ
أَلِــلــبــلادِ؟ لَـــقَــــدْ سَـطَّــرْتُــهَــا بِـــدَمِــــي فِـي صَفْحَـةِ القَلْـبِ فِــي خَــدِّ المَنَـادِيـلِ
أَلِـلـرَّشَــادِ؟ فَـشِـعْــرِي حِـكْــمَــةٌ هَـطَــلَــتْ زُلالَ فِـــكْـــرِيَ مِــنْ بِـــيـضٍ يَـعَــالِــيــلِ
أَلِـــلـــوِدادِ؟ جَــعَــلْــتُ الـــحُـــبَّ أُغْــنِــيَـــة بَـيــنَ الـقُـلُــوبِ تُـنَـاجِــي كُــــلَّ مَـتْـبُــولِ


و يعود بعدها إلى إعادة تصوير مشهد الجفاء و الجناية على الإبداع:

مَـاذَا جَنَيـتُ مِــن التَّحْلِـيـقِ فِــي لُغَـتِـي غَـيـرَ الجِنَـايَـةِ مِــنْ هِـطْــلٍ وَمَـطْـلُـولِ؟
يَنْسَـاقُ بِالحَـمْـدِ عُجْـبًـا كُــلُّ ذِي بَـطَـرٍ وَيَشْـتَـرِي الـمَـدْحُ بَخْـسًـا كُــلَّ مَـخْـتُـولِ
حَـــذَّرْتُ نَـفْـسِـي فَـعَـافَـتْ كُـــلَّ مُشْـتَـبَـهٍ مِـــنَ الـلِـسَــانِ وَمَــلَّــتْ كُــــلَّ مَـعْـسُــولِ


ثم يبدأ في رسم بعض محددات الشعر القويم و هي الفكر و الأخلاق و التأثيل :

وَمَــا أَرَى الشِّـعْـرَ فَـخْـرًا عِـنْـدَ صَـاحِـبِـهِ إِلا بِـــفِــــكْــــرٍ وَأَخْــــــلاقٍ وَتَــــأْثِــــيــــلِ
إِنَّـــــا لَــمِـــنْ أُمَّــــــةٍ أَقْـــصَـــى مَــآرِبِــهَــا حَــظُّ الـنُّــفُــوسِ وَتَــرْوِيـــجُ الأَقَـــاوِيـــلِ


في موضع آخر من القصيدة يخاطب صاحبه مذكرا بالأشواق مستحضرا للوفاء :

يَـــا صَـاحِـبًـا أَنْـزَلَـتْــهُ الـنَّـفْــسُ مَـنْـزِلَــةً فَـــــوقَ الـمَــقَــامِ بِـتَـبْـجِـيــلٍ وَتَـفْـضِــيــلِ
مَا زِلْتُ أَمْحَـضُ مِـنْ وُدِّي عَلَـى طَبَـقٍ حَــتَّــى مَـلَــلْــتَ وَوُدِّي غَــيـــرُ مَـمْــلُــولِ
شَـــيَّـــدْتُ فِـــيــكَ مَــــنَــــارَاتٍ مُــمَـرَّدَةً مِــــــنَ الـــوَفَـــاءِ مَـهِـيــبَــاتِ الأَكَــالِــيـــلِ
وَخُـضْــتُ فِـيــكَ بِـحَــارَ العَـاذِلِـيـنَ فَـلَــمْ أَغْـــرَقْ بِـنَــوءٍ وَلَـــمْ أَشْـــرَقْ بِـتَـسْـوِيـلِ
وَكُـــنْـــتُ فِـــيـــكَ بِــــــلا عَـــيــــنٍ وَلا أُذُنٍ عِــنْــدَ الــوُشَــاةِ وَلَــكِــنْ عِــنْــدَ تَـعْــوِيــلِ
وُكُنْـتُ مَـا خَطَـرَتْ فِـي النَّفْـسِ خَـاطِـرَةٌ إِلا رَسَـمْـتُــكَ فِــــي أَبْــهَـــى الـتَـفَـاصِـيـلِ


ثم يعاتبه بلين و لطف لإنصرافه نحو الخصوم و المتهمين:

فَـفِــيــمَ لَــمَّـــا رَأَيـــــتَ الـكَــيــدَ غَـافَـلَـنِــي نَـهَــضْــتَ تَـتْــبَــعُ ذَا زَيْـــــفٍ وَتَــهْــوِيــلِ
قَـــدْ كُـنْــتَ أَوَّلَ مَـــنْ أَحْـتَــاجُ نُـصْـرَتَــهُ فَـكُـنْــتَ أَوَّلَ مَــــنْ يَـسْـعَــى لِتَخْـطِـيِـلِـي
مَـنْ يَنْشُـدُ الظَفْـرَ فِـي عَـرْجَـاءَ مُقْعِـيَـةٍ وَيُنْشِبُ الظُفَـرَ فِـي النُّجْـبِ المَرَاسِيـلِ؟


و يوضح له سبيل الرشد و الحكمة و الحقوق:

يَـحْـتَــجُّ أَهْــــلُ الـنُّـهَــى حُـكْـمًــا بِـبَـيِّـنَــةٍ وَلا يَـــــكُـــــونُ بِـــــظَـــــنٍّ أَو بِـــتَــــأوِيــــلِ
وَأَيـمُــنُ اللهِ مَـــا خُــنْــتُ الــهُــدَى غَرَضًا وَلا عَــــدَدْتُـــــكَ إِلا فِـــــــــي الــبَّــهَــالِــيــلِ
وَقُلْتَ: أَطْعَنُ كَي تُحْمَـى الحُقُـوقُ بِنَـا وَهَـــلْ سَـتُـحْـمَـى حُــقُــوقٌ بِـالأَبَـاطِـيـلِ؟

ثم يدعوه إلى مراجعة حكمه بالتعقل و الهدى:

يَا صَاحِبَ الرَّأْيِ مَا فِي العَدْلِ مَنْقَصَةٌ مَــتَـــى تَـبَــيَّــنَ هَـــــدْيٌ بَــعْـــدَ تَـضْـلِـيــلِ
إِنْ خَـاتَـلَـتْـكَ الــهُــدَى عَــيــنٌ مُـكَـحَـلَّــةٌ فَكَيفَ تَرْجُـو الهُـدَى بِالأَعْيُـنِ الحُـولِ؟
هَــوَى الـنُّـفُـوسِ هَـــوَانٌ وَالأَذَى صَـلَــفٌ وَحِـكْـمَــةُ الــمَــرْءِ فِــــي عَــقْــلٍ وَتَـعْـلِـيـلِ
لا تَـحَـسَـبَـنَّ عِــتَـــابَ الـقَــلْــبِ مَـثْـلَـبَــةً إِنَّ الـعِــتَــابَ وَفَـــــاءٌ فِــــــي الـمَـكَـايِـيــلِ
فَــإِنْ أَتَـيـتَ تَـجْــدْ صَـفْـحًـا بِـــلا عَـتَــبٍ وَإِنْ أَبَـــيـــتَ فَـــرَتِّــــلْ سُـــــــورَةَ الــفِــيـــلِ


و يتذرع إلى الله و رحمته أن يفرج و يرحم حتى يستبين الحق:

يَــا رَحْـمَـةَ اللهِ هَــلْ لِـلـحَـالِ مِـــنْ فَـــرَجٍ فَــــلا نَــضِــلُّ بِـنَــجْــوَى كُـــــلِّ مَـخْــبُــولِ
إِنْ عَـــــمَّ كَـــــرْبٌ فَـــمَـــا إِلاكَ يَـرْحَـمُــنَــا فَــجُــدْ عَـلَـيـنَـا بِــأَمْـــرٍ مِــنْـــكَ مَـفْــعُــولِ
وَاهْــدِ القُـلُـوبَ إِلـــى تَـــرْكِ الـذُّنُــوبَ وَلا تَفْـتِـنْ نُـفُـوسَ الــوَرَى بِـالـقَـالِ وَالـقِـيـلِ


في ختام القصيدة يكشف العمري عن حلمه وهو أن يتفشى الخير على الكل وهو نهجه حتى و إن عز المعين و المساعد فيا كف و إزميل:
لا زَلْــتُ أَحْـلـمُ لَــنْ أَرْتَــدَّ عَـــنْ حُـلُـمِـي حَـتَّـى أَرَى الخَـيـرَ يَشْـفِـي كُــلَّ مَعْـلُـولِ
وَسَـــوفَ أُحْـسِــنُ ظَـنِّــي بِـالـكِـرَامِ فَـــإِنْ عَــــزَّ الـمُـعِـيـنُ فَــيَـــا كَــفِّـــي وَإِزْمِـيــلِــي


بقي أن أذكر أن هذا النهج ليس بدعا فقد واجه الجاحظ قبل زمن تهمة السرقة بعد أن قذف بالسطو و انتحال كلام غيره بقوة الإبداع و تعدد التصانيف,يقول في مقطع من رسالة موجهة إلى مجهول كتبها في أواخر عمره أي بعد اشتهاره و تحقق زعامته الفكرية و الأدبية :
( زعمت أني أسرق الألفاظ,وأنتحل الكلام, كيف و أنا ابن البلاغة,و أنا ترب الكتابة,و أنا جهبذ الكلام,و نقاد المعاني)
وراح الجاحظ يبطل هذه التهمة من أساسها,متحدثا عن مؤهلاته العلمية و كفاءاته العملية التي لا يستقيم معها أن يكون سارقا. راجع الجاحظ: فصول مختارة .
في الختام أشير إلى أن سمير العمري من ألمع شعراء العربية في شعر الحكمة,تكاد لا تجد قصيدة له إلا و تخللها هذا الصنف من الأبيات,و قد وصف عدد من النقاد و الأدباء العمري بشاعر الحكمة, و تكاد تكون كل أبيات قصيدة كف و إزميل تجسيدا لهذا اللون من الغرض و المضمون الشعري.
و هذه دعوة لكل ناقد رصين و باحث مجتهد أن يعكف على شعر العمري الذي لم يلق ما يستحقه من الدراسة و البحث و الكشف.

عبدالصمد زيبار ـ البيضاء
في : 3 ـ 12 ـ 2010