ما ترنم عاشقان مثل ما ترنمنا ولا ثمِلا مثل ما كان للسكر منا غايته وللفكر منا مطيته, فمزية حبنا أنه كان روح وفكر سيّجهما قلب نابض بالصدق هاتف للتمازج, حين لم أفرق بيني وبينك, وبينك وبيني, فغدوت لازم صفتي لتصبح ملزومي .
وكم سَعِد الهوى في أحضاننا فاستوى واشتد على سوقه وتدلل ولم يتملل, من نعيم ما رأى ولذيذ ما سُقِي؛ فقد كانت البلاغة موئلا و ربيعا لأيام خالدة لا ينكرها نبضنا بقدر ما يفقدها واقعنا ويحن لها يومنا, فكم كانت الحروف أنفاسنا حين جعلنا منها أريجا لايدركها من علم وكان له دربة حقيقة في طرق العشق فللعشق طرائق تاه عنها أؤلئك المدعون والمتزلفون فيه, أما التائهون فيها الراسمون لإبداعات العشق في مدارج دروبهم فهم أصحاب السبق والندرة .
فارحم فإن البعد قاتل والظمأ بطاش في هجير هجر لم يعرف قطرة غدير ولا شربة ماء مالح حتى , بل كان سُكرا من نوع آخر, فما لامس عشقنا مُرا إلا جعل في ملحه ومره عسلا؛وذلك لِما في حلاوة الروح المتنقلة بين آهات المحبين, أبعد هذا أتعجب من أن يحسدنا الحاسدون ويتقرب بوشايتنا المبغضون!!!.
فما عشناه -يا مُناي- عجبا وما كان بينا جنة لا يضاهيها ولا يفوقها جمالا وبهجة إلا فردوس السماء, فكيف صنعنا لنفسنا فردوسا أرضيا لا تجد في مدخله إلا ما يعجزك أن تصف, ولا في نهايته -إن استطعت أن تبلغ نهايته- أن تقف, حتى يتبَن فردوس آخر هو فردوس الأرواح الشبِقة بروح العشق المترنمة بموسيقى النبض المتعالية بتعالي أرواحنا في سابع سماء لفردوسنا, فلا ظلها ظليل ولا نسيمها عليل بل منزلة فوق تلك المنزلة, فلتموضع الروح في الروح فردوس آخر وأسطورة لا هي بالخرافة ولا الحقيقة , أترانا غلبنا الصوفية في منزلة بين المنزلتين, بل قل -يا غنِاي- أننا فقنا المذاهب والفرق بالتأويل الخفي والجلي والتفسير المُعلِل بطرق لها عجائب لا يصل لها إلا من عرجت روحه في صفاء سماوي لُيكشف لباصرته طرائق قددا .
واعلم –ياغِناي- أنه لم يبطل كلامنا كلام العيون فلهمسنا لغة بل حتى لنبس شفاهنا لغة لا يعلم شفراتها إلا أرواحنا ولا يجيد ها إلا أنا وأنت وأنت وأنا, فحروفنا زئبقية لا يتحسسها إلا ذو روح وإحساس عالٍ.
فكيف لقلمي المسكين المتهالك أن يصف فردوسا عرضه عرض لا يقاس, وعمقه لا يرى وكيف للأرواح أن ترى وهي ضرب خفي ونور جلي لمن صحت باصرته وإن عميت بصيرته.
فيا فردوس عشقنا جُد عليهم بقليل من أريجك ونزرِ من نعيمك حتى لا يتيقن القارئ أن لسمو عقلا خرِفِا وفكر جُنَّ من سطوة الحب وجبروت العشق حتى لا يعذلني عاذل ولا يلمني لا ئم, ورحم الله أبا الطيب :



وعـذلـت أهــل العـشـق حـتــى ذقـتــه= فعجبت كيف يموت من لا يعشق

وبعد هذا كله كيف لعشقنا أن يتلاشى عطره وينسكب في ظل هجر ما فتئ يُغالبه إلا أنه غَالبه ؟
ولو أمعن الهجر في ليالينا ونسيم ريحنا التي ما كلت تهبُّ لتنعش المكنون وتحرك ما في داخل القلوب ليتبسم القمر شاهدنا الأوحد بعد كلام العيون لتردد الهجر وتقهقر ألف خطوة إلى الوراء؛ حتى لا يمحو لوحة فنية يتفتق حسنها على وجه المعمورة فيفقدها البشر ويبكيها شفق الأصيل لأنها من نوادر الكون وأسراره.
أترانا رسما أسطورة الحب وجاء الآن وقت رسم أسطورة الهجر؟ فكيف يقابل الجمال بالعنف !!!!!!!!!!!!!!!
ويبقى الكلم مفتوحا والحرف جارفا في وصف فردوس العشق بل فردوس عشقنا .