تداعيات
لغز البدايات




أنا لستُ من يُنجبك، إنهم الموتى. إنه أبي وأبوه، سلسلة طويلة من الآباء، متاهة حبٍّ متلهفة. تنطلق من آدم، من الندم الأخوي، من الصباحات الأولى التي سيخضع لها الإنسان، والتي أصبحت أساطير لدرجة قدمها، حتى يبلغ، دماً ولبّاً، ذلك اليوم من المستقبل، الثانية الآتية التي أنجبك فيها يا بنيّ .
هذا الحشد، أشعر به بقربي. إنه نحن جميعاً، إنه أسلافي وأنت، وأطفالك وأطفال آدم الفلسطيني. هؤلاء هم أنا أيضاً. إنها إرادة الطقس الأبوي. الأبدية هي لأشياء الزمن، في ذلك الذي يُسرع ويعبر ويتحرك.
لن تكون هذه الكلمات أقل غموضاً من كلمات كتاب " الإنسان المتمرد" أو الكتب التي ترددها الأفواه الجاهلة، معتبريها من عمل الإنسان، وليس مرايا معتمة للروح.
أنا الكائن الذي كان وسيكون ما زلتُ أتنازل واستخدم اللغة التي هي زمن متوال وشعار. من يلعب مع طفلٍ يلعب مع شيء مألوف وغامض، لطالما أردتُ اللعب مع أطفالي. كنتُ بينهم بدهشة وحنان. بفعلِ سحرٍوُلدتُ بغرابة من أحشاء، عشتُ مسحورا، مسجوناً في جسدٍ وفي تواضع نفس. عرفتُ الذاكرة، تلك العملة المتغيرة دوماً. عرفتُ الأمل والخوف، وجهيّ المستقبل الحائر. عرفتُ السهر والنوم والأحلام والجهل والشهوة ومتاهات العقل الفظة، وصداقة الإنسان، وٕإخلاص الكآبة الغريب.
أُحببتُ وفُهمتُ ومُدحتُ وسُمّرتُ على صليب. شربتُ الكأس حتى مرّها. أريتُ بعينيّ ما لم أره من قبل: الليل ونجومه.
عرفتُ الأملس والرملي والمتفاوت واللاذع وطعم العسل والتفاحة، والماء في حلق العطش، ووزن معدن في الكف، والصوت البشري، ووقع أقدامٍ على العشب، و رائحة المطر في الجليل، وصراخ العصافير.
عرفتُ أيضاً المرارة. اقترفتُ هذه الكتابة لرجل عادي، لن تكون أبداً ما أريد أن أقوله، ولن تسمح أن تكون انعكاسه.
أبديتي توقع هذه العلامات. فليكتب القصيدة شخص آخر، غير الذي يخط رموزها الآن. غداً سأكون عائداً بين العائدين، مبشراً بشريعتي في السهول والكروم، أو أكون شجرة ليمون كبيرة تسيج جبل الطابور. أحياناً أستحضر بحنين رائحة الأخشاب وما صنعت أيدي يسوع الجليلي.
ورسامٌ وعدنا بلوحة.
أُعلمتُ اليوم بسفره. مرة أخرى، شعرتُ بحزن من يفهم أن جوهرنا يشبه قليلاً جوهر الأحلام. فكّرتُ بفقدان الرجل واللوحة.
فكّرتُ للوحة بمكانٍ مقرر سلف لن تحتله. ثم فكّرتُ : لو كانت هنا لأصبحت مع السنين شيئاً إضافياً، شيئاً مألوفاً في المنزل، الآن لا حدود لها، إنها دائمة الحضور، قابلة لأي شكل ولأي لون وغير مرتبطة بأي منهما. موجودة بشكل ما. ستعيش وتنمو كموسيقى، ستبقى معي حتى النهاية. الناس أيضاً قادرون على الوعد، لأن في الوعد شيئاً من الأبدية.