شاميّة من وحي الأعشى

محمد النعمة بيروك


ودّع صِغاركَ إنّ الجيْشَ مُرْتحِلُ
وهل تطيق ودَاعاً أيّها البطلُ
ودّع صغارك قدْ لاتلتقي بهمُ
إمّا قُتلتَ بِقَصْفِ القوْمِ، أوْ قُتِلُوا
لا تنتظرْ جَمْعَ عُرْبٍ في مُساعَدَةٍ
تأتي ببطءٍ كَمَا يَأْتِي الوَجي الوَحِلُ
لا تنتظر سندا يأتي على مهلٍ
كَمَا السَّحَابَةِ ، لاَ رَيْثٌ وَلاَ عَجَلُ
لا تنتظر عرَباً في عُمْقِهمْ فشلٌ
في عُمقِه فشلٌ، في عُمقِه فَشَلُ
إنَّ اسْتِعَانَكَ بالأعْرابِ في مَثَلٍ
كَمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
لَيْسُوا كَمَنْ يكرَهُ الأعداءُ طَلعَتَهَمْ
وَلاَ تَرَاهَمْ لِنَيْلِ المَجْدِ يَخْتَتِلُوا
يَكَادُ يَصرَعُهَمْ في كُلِّ مَعركةٍ
إِذَا يَقُومُوا إلى أعدائِهِمْ كَسَلُ
مِلءُ الجيُوبِ وَصِفْرُ المَنْحِ إنْ مَنَحُوا
إِذَا تَأتّى يَكَادُ الصّفرُ يُختَزَلُ
لا تكترثْ لِغَدٍ في جمْعِ منْ تَرَكُوا
مِنْ قَبْلِكَ القُدْسَ بالآلامِ تَكْتَحِلُ
فدَعْ جَماعَةَ أعْرابٍ وقَدْ ثَمِلُوا
وهلْ يُقاوِمُ ظُلْماً شارِبٌ ثَمِلُ
صَدَّتْ حكوماتُهمْ عنكمْ لتخذلَكمْ
جَهْلاً "بآل أسيْدٍ" حَبلَ مَنْ تَصِلُ
أإنْ رَأَتْ رَجُلاً مُسْتَأْسِداً حسِبَتْ
بأنّه أسدٌ، أوْ أنّهُ رَجُلُ
هذا مَكَانُكَ باتَ الموْتُ يحصُدُه
ولايزال به "مُستأْسِدٌ" وَهلُ
بئسَ اللئيم بهذي الأرضِ مسْترِقاً
نَوْمَ الضِّعَافِ بِجَوْرٍ ليس يُحْتَمَلَ
يُحاورُ الغَيْمَ فيها كاذباً أشِراً
مُؤزَّراً بفريقٍ مَا به خَجَلُ
يَوْماً بأخبَثَ مِمَّا يَدَّعِي أَحَدٌ
مِنْ هؤلاءِ تُرى هَلْ تَشْهَدُ الأُصُلُ
قالَتْ بلادُكَ لَمَّا قُمْتَ مُنْتَفِضاً
لهفي عَلَيكَ ، ومَجْدي فيكَ يَا بَطَلُ
أمَا تَرَى وطناً يهفو إلى وَطَنٍ
كَأَنَّمَا القصفُ فِي حَافَاتِهِ الشُّعَلُ
لَهُ النِّساءٌ وأطْفالٌ ألَمَّ بهمْ
قَصْفٌ عنيفٌ على الأحْياءِ مُتّصِلُ
يبكي الزّمانُ دمشقَ اليومَ عنْ أسَفٍ
والدّمْعُ فيها غَزيرٌ مُسْبِلٌ هَطِلُ
لا يُلْهِكَ اللَّهْوُ عَنْهَا إنّهَا ظُلِمَتْ
وَلاَ اللَّذَاذَةُ مِنْ كَأسٍ وَلاَ الكَسَلُ
قصْفٌ يحطّم في الأحياء ساكنةً
بالغَدْرِ يضْرِبُ مِنْهُ العَارِضُ الهَطِلُ
فَالقتلُ يَجرِي ووخِنْزِيرٌ يُؤجّجُهُ
وما تَدَافَعَ مِنْهُ الرَّبْوُ ، فَالجَبَلُ
حَتَّى تَحَمَّلَ مِنْهُ النّاسُ تَكْلِفَةً
رَوْضُ القَطَا فكَثيبُ الغَينةِ السَّهِلُ
"يَسقِي" دِيَاراً لَكمْ قَدْ أَصْبَحَتْ تُرَباً
ظُلْماً فينْبَلِجُ الإنْسانُ والأَمَلُ
وَبَلدَةً مِثلِ "دير الزّور" مُوحِشَةً
للجِنّ بِاللّيْلِ فِي أرجائها زَجَلُ
وربّما الجِنُّ -حتّى الجِنّ- يتْرُكُها
إلّاِ الَّذِينَ لَهُمْ فِيمَا أَتَوْا شُغُلُ
أَبْلِغْ بُشَيْرَ بني أسدان مَألُكَةً
أَيا بُشَيْرٌ ! أَمَا تَنفَكُّ تأتَكِلُ ؟
سَتَعْرِفُ اليوْمَ يا بشّارُ أنّ لنا
بَأْساً سيُضْرَبُ بالآتي بهِ المَثَلُ
أِمَا تَرَانَا حُفَاةً لاَ نِعَالَ لَنَا
إِنَّا كَذَلِكَ مَا نَحْفَى وَنَنْتَعِلُ
فَقَدْ نُسايِرُ "رَبَّ البَيْتِ" عَنْ مَهَلٍ
لكنْ يُحَاذِرُ مِنّا ثُمّ مَا يَئِلُ
إمَّا وصَلْنا دمشْقَ اليومَ تَعْرِفُنا
لمَّا تَرانَا بذاتِ الدّرْبِ ننْتَقِلُ
فِي فِتيَةٍ كَسُيُوفِ الهِندِ قَدْ عَلِمُوا
أَنْ سَوْفَ يَدفَعُ عَنْ ذِي الحِيلةِ الحِيَلُ
نَازَعتَهُمْ سُبُلاً لِلْعَيْشِ في سَعَةٍ
فكادَ يُقتلُ في أعماقِهِمْ أمَلُ
وَلَمْ يَعُدْ في نُفوسِ النّاسِ مِنْ أمَلٍ
إِلاَّ بِثورةِ أندادٍ وقد فعلوا
يَسعَى بِهَا كلُّ نِضْوٍ يغتدي جبَلاً
مِنْ فرْط حُرْقَتِهِ مِمَّا جنَى هُبَلُ
قدْ كان ذَلِكَ يَوْمٌ قَدْ لَهَوْتَ بِهِ
وَفِي التَّجَارِبِ طُولُ اللَّهوِ وَالخَبَلُ
مهْمَا رَجَمْتَ بيوتَ النّاسِ سَوْفَ تَرَى
أنْ لَيْسَ بينَهُمُ طفلا سيمتثِلُ
هذي دُويلةُ إسرائيلَ" قد أمنتْ
مِنْ شرِّ قصْفِكَ لكنْ قُتّلَ الأهَلُ
حتّى عُدَاتكَ في الجولان قدْ أمِنُوا
فهلْ أصابكَ في ما تبتغي حَوَلُ
سَنَعْرِفَنَّكَ قَدْ جَدَّ الـنَّفـيرُ بِـنـا
وَطَالَتِ الحَرْبُ دَارَيّا وَمَا احْتَمَلُوا
مَهْمَا تُقَتِّلُ فِينَا لَنْ تُرَكِّعَنَا
يَوْماً بِقَصْفٍ فَتُرْدِي ثُمّ تـَعْـتـَزِلُ
" كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليَفْلِقَهَا
فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ "
لنْ تَقْعُدَنَّ ، وَقَدْ أَكَّلْتَهَا حَطَباً
لابُدّ مِنْ شَرِّهَا يَوْماً َستَبْتَهِلُ
قَدْ كَانَ فِي أَهلِ حِمْصَ اليوم أوْ حَلَبٍ
وَفي دمشقَ الّذي يَسْعَى وَيَنتَضِلُ
فاكفف بني أسد عَنَّا، فَقَدْ عَلِمُوا
أَنْ سَوْفَ يَأتِيكَ مِنْ أَنبَائِنَا شَكَلُ
فسَلْ مُعَمَّرَ كَيْفَ الذُلُّ طاوَلَهُ
وسَلْ عليّاً أدامَ العِنْدُ وَ "الْهَبَلُ"
وَسَلْ بِنَفْسِكَ زَيْنَ العابِدينَ وسَلْ
مُباركاً يَوْمَ ثُرْنا كَيْفَ نَفْتَعِلُ
إِنَّا نُقَابِلُهُمْ بالصّبْر نهزمُهُمْ
عِندَ اللِّقَاءِ ، وَهُمْ جَارُوا وَهُمْ جَهِلُوا
أَمَا زَعَمْتُمْ بِأنَّا لاَ نُقَاتِلُكُمْ
إِنَّا لأَمْثَالِكُمْ ، يَا قَوْمَنَا ، قُتُلُ
وَلَنْ يَظَلّ عَمِيدُ القَوْمِ مُتَّكِئاً
تُبَاعِدُ السُّؤْمَ عَنْهُ النِسوَةٌ العُجُلُ
قَدْ جاءَهُ هِنْدُوَانيٌّ ، فَأقْصَدَهُ
وَ مِدْفَعٌ مِنْ سِلاحِ الخَطِّ مُعتَدِلُ
سَنَطْعنُ البَعْضَ فِي مَكنُونِ عِزَّتِهِ
وَقَدْ يَشِيطُ عَلَى أَكْتافِنَا البَطَلُ
إِنِّي لَعَمْرُ الَّذِي خَطَّتْ مَدافِعُنا
لَهُ وَسِيقَ إِلَيْهِ البَاقِرُ الغُيُلُ
لَئِنْ قَتَلْتُمْ صبيّاً واحداً بِيَدٍ
لنَقْطَعَنَّ أيادِيكمْ فَنَمْتَثِلُ
لَسوْفَ تُمْنى بِنَا عَنْ غِبّ مَعرَكَةٍ
لَمْ تُلْفِنَا مِنْ دِمَاءِ القَوْمِ نَنْتَفِلُ
نَحنُ البَواسِلُ بَعْدَ اللاذقيّةِ في
كُلِّ المَيَادينِ لا مِيلٌ وَلاَ عُزُلُ
أمَّا وَقدْ دَبَّر الأعْدَاءُ في صَدَدٍ
أمْراً بِلَيْلٍ فقدْ خابُوا بمَا جَهَلُوا
لَمَّا توَلّى حُمَاةٌ قَتْلَ صِبْيَتِنَا
مَهْمَا يَطُولُ فَلَنْ يَنْجوا بِمَا فَعَلُوا
قصفاً من الجوِّ لا وَجْهاً نُطاوِلُهُ
عِندَ اللِّقَاءِ ، فيُرْدِي ثُمَّ يَعتَزِلُ
لكنَّمَا فوْقَ هذي الأرْضِ مَنْبَتُنَا
مَاضِينَ في النَّصْرِ مَهْمَا كَلَّفَ العَمَلُ
مَهْمَا قَصَفْتُمْ مِنَ الأجواءِ نُدْرِكُكُمْ
أوْ تَنْزِلُونَ ، فَإِنَّا مَعْشَرٌ نُزُلُ