قطرة انتشاء
يتقاطع الزمن في أذهاننا بالفرح والطرح ، نراه قليلا جميلا أنيقا حاملا المطر ، وتارة أخرى نراه حزينا يقطر فينا هموم القدر ، وبينهما حياة رتيبة مملة ، لا صوت فيها لا خبر، تقولين عبير: (وينقطُ فينا الزمانُ بطيئاً كعزف المطر، ومنذ الأزل .. ، ويمشي الهوينا إلى غايةٍ فيه... ، ولّما يزلْ)، ويبدو أن النص جزء من نص أطول، والواو هنا استئنافية، لاستكمال حديث سابق، تقولين: ينقط فينا الزمان بطيئا، وتساءلت هل الزمان فاعل أم مفعول به؟ هل هو الذي ينقط؟ وماذا ينقط الزمان ؟؟حزنا وأسى وجراح؟؟ أم سعادة وفرح وهناء؟ أم أن الزمان مفعول به فالله أو القدر أو ... ينقط الزمان فينا بمعنى يمرره فينا ويجعلنا نستهلكه، ولماذا ينقط (فينا) لا علينا ولا منا ..هل استخدام (فينا) يرجح احتمالا على آخر؟؟ خاصة وأن ظلال مفردات الزمان في العربية تعطي معاني الحزن والأسى، لذا فأنا أرجح أن الزمان هو الفاعل ،وعلى أي الاحتمالين فإننا ننزف عمرنا المليء حزنا وأسى، وأوقفني استخدام عبير للكلمتين (ينقط، بطيئا) ، فهل الزمان يمر بطيئا وكأنه نقط المطر؟؟ أم أننا بسبب الحزن نشعر ببطئه وطوله وكأنه لا يسير بمآسيه، وهذا ما تؤكده الشاعرة بقولها (يمشي الهوينا) إلى غاية محصورة فيه لا ندركها ، وتقول :(لما يزل) و(لما) حرم جزم لجزم المضارع ونفيه، ويختلف عن (لم) في أن لم لنفي الماضي المطلق و(لما) لنفي الماضي القريب، مع احتمال حدوث هذا النفي مستقبلا ، فنحن نترقب حدوثه، فهل ترى الشاعرة بأن هذه الغاية في طريقها قريبا إلى الانتهاء؟؟!!
وتكمل عبير :(بدائرة الصمْت يجري يذوب عَلى مَرمْر وانحناء ...إلى حيثُ يحْيا وجودٌ ويولد كون بقطرةِ ماء ويسمو انتشاء) وتنتقل للتحدث عن فعل الزمن ، أو القدرة الإلهية المتمثلة في قدرة الزمن، فالزمن يذوي ويذوب بدون أن نشعر به ، وبذوبانه وانتهاء أجزائه تولد أجيال وأجيال، وكأن مماته حياة، ووفقت في استخدام (دائرة الصمت) غير المخترقة بهمس الهوى، وتوضح آلية التوالد: (يولد كون بقطرة ماء)، بإيحاء جميل وموفق ويصحب هذه النقطة انتشاء الفرد أو الكون بالحدث.
وتقول عبير موضحة: (ويعبق فينا أصول الحنين فننزلُ شوقاً ونصعدُ شوقاً إلى لحظة من لقاء
إلى لحظة ما انتفت من سني الضياء) وينتشر فينا حنين يعود إلى أصل الحياة فنندفع إلى لقاء حميم نمارس طقوسا في العشق ما تغيرت نهاياتها منذ بدء الحياة ، ووفقت في استخدام (يعبق فينا) للحس الداخلي الذي ينتابنا ويدفعنا للفعل ورد الفعل ، إيحاءات التعبير الغني بالدلالات(فننزل شوقا ونصعد شوقا)، وروعة الإشارة في(لحظة ما انتفت من سني الضياء)، وتكملين:(بعيداً عن الظن فينا قريباً إلى السرِ أو آية في السماء.... تعانقت أرواحنا بصمتٍ وفي كل صمت جلال يبوح بعمقٍ بوَشْي ِاللقاء) وبعيدا عن الاتهامات المغرضة كنا ننفذ إرادة السماء ، فلا يعمر الكون إلا باللقاء ، لكنه هنا لقاء الروح لا لقاء الجسد، تلاقت بصمت بدون كلمات ، وما حاجتنا إلى كلمات في موقع نستخدم فيها لغات أخر ، لذا كان صمتنا ناطقا يبوح بوضوح برغباتنا وإشباعها، وبما غطى اللقاء من زينة تمثلت ربما بمظاهر الفرح الفردي أو الجماعي ، أو التناغم، التجمل الخاص للحدث .
وتكملين :(يتداخلُ فيَّ حنين وشوق ويتبعثر في شفةٍ تتساقط منها وحدة واغتراب تتمايل في وتر محراب فتنشد لحنا ويحلو الغناء )، ويمتزج الحنين والشوق وتتبعثر الوحدة والاغتراب ، فهذا تلاقٍ يذيب الوحدة ويبعد الاغتراب ، وتحلو الحياة بعزف العاشقين الرائع .
أحمد أحمد