وريثة عرش الجمال والقمر :
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
جلستُ أتدبّر الحسن فيها .
أستميله مرة .
واستنطقه أخرى .
علّ هناك ما يُطامن الأشجان ويسد الرّمق لمن ادّعين أنهن ذَبَبْن على الجمال يرتعين فيه ،،، غير أنها عجزت أن تصف القُبحَ ولو قراءة !!! فكيف إن اعتدّت نفسها لُبّ السحر ومُخّه ؟ أتُفصحُ عن أمر أسرّته وطوته ؟ .
ثم صار الجمال كالحُبلى ! ولا بد أن تتمخض عن أميرة القلب ،،، أميرة ليست جميلة ! وإنما يصف وجهها الجمال ! حتى سَوّلَ لها حسنها أنها جاءت ترسيخا لحقيقته ، ثم تَحَدّرَ عليها تَحدُّر الموروث بالوراثة ! .
ثم ،،، تَبَلّدَ الحسنُ دونما رحمة في تلكم الأميرة ، حتى بَدَت والسحر تقوده كالذّلولِ خلفها لا معها وحسب ! وحتى جاءت في مثل اللغة يشوبها سحرُ البيان ! إذ تُؤنسُ إذا نظرَت ،،، وتُضْنِي إذا صدّت .
فهلك أو كاد القمر ! لما انشغل في مُدافعتها ، ومن ذا يدفع مُعجزة الجمال ؟؟؟ .
وتورّم حَنَقَاً لما رآها ورأى هُيام القاصي والدّاني .
فقالت : ما أنت ؟
قال : قمر .
قالت : وما قمر ؟
قال : أستنيرُ الشمسَ فأضيئ !
قالت : فقط ؟
قال : فقط ! .
قالت : وتتبجّح مدّعياً مُعجزة الجمال ؟
فَبُهِتَ الذي ادّعى !!! ،،، وأطرق إطراقة تصدع القلب .
فرانت على وجهها طينة التراحم ، وآنس القمر ذلك فيها ، فصار كالطفل يَتّهِب منها هبة الحلوى ! .
تبسمت وقالت : وما تريد ؟
قال : بعض حسنكِ !!! .
قالت : أرى الرجاء امتدّ يا قمر ! .
قال : وما حيلة الذي عانى شُحّ الدّرّ فلا يجيء بشيء ،،، وأمامه من صيّرت الجمال إليها غير مُستنكفة ؟
قالت : الله الله !
قال : وما حيلة مثلي أيضا ،،، أمام بَدَن مُتَسَانِد جعل الشرط على نفسه أن يستوفي التمام ، فنهج إلى الوفاء السبيل ،،، وامتازت بخلوصها من النقص وما لها من بارع الحُسن ؟؟؟ .
قالت والمُحيّا يكاد ينطق : لكأنّك تتغزّل يا قمر .
فهل عرفت مثلي من قبل ؟
قال : نعم !!! غير أنهن لا يتميّزن إلا بالمساحيق .
تبسّمت وقالت : أحقاً ؟
قال : نعم .
قالت : وكيف أعطيك بعض محاسني ؟
قال : تعالي إليّ ولو كذبا !
قالت : أخشى أن يطير في جَنَبَاتك طائر ، ومن ثَمّ الاختبال ! .
قال : إذن ،،، أفيضي عليّ قبسا مما تحترفين .
قالت : شريطة أن تُسمعني الغزل .
قال : أفعل .
ثم ،،، أفاضت ، فكان ذلك الجمال لمّا يضطرب والحُسن باق .
فلما فرغَتْ قالت : هات الغزل يا قمر .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
فقال :
أكْذَب على نفسه التلوّن ، لمّا رأى حُمْرة خدّكِ ،،، الوردُ .
وانتبرَ وجنتيكِ زهرٌ لمّا تفقّدكِ من السّحرِ ،،، وفدُ .
فحارَ ما بين سنا نحركِ وبضّه ، الثلجُ ،،، والبَرَدُ .
وانجلى العُنّابُ لما تحدّر من الشفاه على الشدقين ،،، شهدُ .
وغالب العينَ نُعاسٌ ، غير أنها لما رأتكِ غلبها ،،، السُّهْدُ .
فحسدت العينُ قميصاً ، ساعة تستّر في الإزار ،،، جسدُ .
ثم زهت الأرض بقوام التلال ، غير أنه قهر زهوها منكِ ،،، نهدُ ! .
فتعاهد الإناثَ حسنُ ليس ينجلي ، فلما برزتِ لهنّ خانهنّ ،،، العهدُ .
فذهبنَ يسترزقن مَدّ البحر وجوده ، فأخفق البحرُ لما سارع من جانبكِ ،،، مَدُّ .
*********
أنا القمرُ ،،، غير أني عجبتُ كيف قمرٌ أنتِ ! وبرع ناحية وجهكِ الصبوح ،،، خَدُّ ! .
وأنا الثِّقَلُ ،،، غير أني عجبتُ كيف اتّزن على أقدام الأميرة ،،، قَدُّ ! .
وأنا الحبسُ ،،، غير أني عجبتُ كيف أسرَ الورى من وطفكِ الفاتكِ ،،، قَيْدُ ! .
وأنا الضُّمُور ،،، فكيف ران على ضمور كشحكِ اللطيف ،،، وهدُ ؟
وانا المعشوق ،،، فكيف هُجِرتُ ، حين رَبَى من العالمين إليكِ ،،، وُدُّ ؟! .
فلا مرحبا بدنيا أنتِ لست بها ، فقد نَعَرَ في قَفَا السعد ،،، وجدُ .
ولا مرحبا بأرض خلاها مقامكِ ، فتباعد قُرب ، وتخلّق ،،، بُعدُ .

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
قالت : أحسنت القول يا قمر ،،، وإذن فمن أنا ؟
قال : وريثة عرش الجمال .
فقالت : ومن تراه وليّ عهدي ؟
قال : كيف هذا وقد تربّعتِ على العرش بهيئتكِ الدائمة !!! .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــ انتهى ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
حسين الطلاع
5/9/2012 م .
المملكة العربية السعودية – الجبيل .







: ذببن أي ارتمين ، وهي من الذّبّ أو الرمي ،،، ومنه لفظة الذباب لأنه يذب بنفسه على الشيء دون حسبان ،،، مع أني قرأت ذات مرة أن كلمة ذُبّان أفصح من ذُباب ،،، رغم استخدامنا لها كلفظة عامية محلية .
: يرتعين من يرتع وهو طلب الرعي والكلأ .
: أنها أي هي لفرط حسنها لا تستطيع حتى أن تقرأ مواصفة القبح أنفة منها .
: اللب والمخ بمعنى واحد : أي جوهر السحر ومحركه كالمخ الذي يسير الإنسان .
: الإسرار والطي بمعنى الحفظ وعدم البوح به .
: المخاض هو طلق الولادة .
: سوّل أي زيّن وسهّل وحبب الشيء ، وسوّلت له نفسه أي حببت له الشيء المُراد .
: أي جاءت ترسيخا وتوطيدا وإثباتا لحقيقة الجمال .
: تبلّد : لها من المعاني ما هي كثيرة منها الخضوع والاستكانة ومنها الذل ، ومنها إظهار غير الحقيقة .
ولكنها هنا بمعنى الإقامة لأن أصلها مأخوذ من البلد ، والبلد مقيم في الوطن لا يتغير ولا ينتقل .
: الذلول : هو الجمل المطاوع المنقاد بكل سهولة ويسر .
: التورم حنقا هو الغضب المبطن وتمعر الوجه وتنفخه .
: وهي حقيقة القمر أنه مظلم وإنما يستمد نوره من الشمس وهو الصحيح .
: التبجّح هو إظهار السرور والفرح علانية .
: فبهت : من البهت بمعنى دُهش وتحيّر وشحب لونه أو وجهه .
: الإطراق هو إسدال الجفن على العين والنظر إلى الأرض خجلاً .
: من الران والرين وهو ما وقر في القلب أصلا وصار كالمرض وهو يختلف عن مرض الأعضاء .
: يتهب أي يطلب الهبة والعطاء .
: أي أنه جاوز الحد في رجاءه .
: شح الدّر : أي الثدي الذي لا خير فيه ولا لبن كالبخيل لا يعطي شيئا ، وهو كناية عن انقطاع الأرزاق .
: مستنكفة : أي غير متمنعة أو ممتنعة من احتواء الجمال ، وهي أصلا من نكف الدمع أي إزالته أو مسحه بالأصبع عن خد الباكي ، والإنكاف هو التنزيه أيضا .
: المُحيّا هو الوجه وسمي بذلك لأنه يُستقبل ويُخص بالتحية .
: أي لا يظهرن إلا بمساحيق الجمال والمُزَيّنات .
: أي أن حمرة الورد مصطنعة مقارنة بحمرة خدّكِ .
: انتبر : أي اتخذ الزهرُ وجنتكِ منبرا يجلس فيه ، والمنبر هو المكان أو المجلس المرتفع .
: وهي الحيرة أصابت الثلج والبرد من حيث البياض لما قورن ببياض نحركِ ، والنحر هو العنق .
: انجلى أي غاب وذهب لون العنّاب قياسا بحمرة الشفاه المرطبة برضاب كشهد العسل ، والرضاب هو الريق ما دام في الفم .
: أي ران على العين نشوة النوم والنعاس ، ولكن لما رأتكِ غلبها السهد ، والسهد هو السهر .
: أي حسدت العين الملابس لما تحويه من جسد بارع الجمال .
: أي أنها تنام على ظهرها فتقهرُ بما كعب منها الأرض لما تزهو بتلالها وإن كانت التلال جميلة غير أنكِ أجمل .
: أي أن الحسن طغى على الإناث عامة ، إلا أنكِ لما ظهرت عليهن أبطلتِ ما فيهن من حسن .
: فلما كان ذلك ذهبن إلى البحر أثناء المد لينعمن باللؤلؤ والخير الوفير ، ولكنه أخفق بجوده لما مدّ فيك السحر والحسن .
: هنا مقارنة بين القمر وبينها فيقول أنه القمر ولكنه يعجب كيف هي أحلى من القمر وقد برع فيها الخد الجميل .
: اللهم لا حسد ،،، يعجب القمر من أقدام لطيفة أنيقة تركّبَ فوقها جسد تام متزن .
: لكأن الوطف وهو الرمش الطويل أكثر حبسا من السجن وقيوده .
: الضمور هي ضامرة البطن اللطيف ، والكشح هو البطن من ناحية السرة إلى الخاصرة ، فكيف صار وهدا أي منخفضا لكانك تجس أمعاءها لفرط الضمور واللطافة .
: كيف ربى أي كيف علا وارتفع إلى سموها الود والحب .
: نعر أي زجر في السعد وجدٌ ، والوجدُ هو الحزن إذا رحلت وظعنت .
: أي أرض خلت منها هي ، وإن خلت فقد رحلت ، فلم يعد هناك قرب ، بل بُعد .