الثعلب.. و شجرة الأدب!!

آن له أن يختبر قلمه..
لا سيما.. و قد أنهى قراءة ثلاث روايات كاملة، و عشرات القصص القصيرة!..
الأمر لا يستدعي أكثر من ثرثرة مرسلة، مموهة برتوش من العبارات المنمقة.. و التبجح بكلمات من قواميس المزابل؛ عفنة، قذرة، بالية..
و كما يفعل كبار الأدباء.. فقد اغتنم هدأة الليل، و اختلى بنفسه في غرفة على السطح.
بجدارة.. استطاع أن يحتضن القلم بإصبعيه.. تماما، كما يفعل كافكا!.. ما أشد زهوه، و هو يغمر وجهه بنظارته العريضة، كالتي يضعها ويلسون على أغلفة أحد كتبه، بل إنه يمتلك مكتبا، يفوق فخامة ذاك الذي يمتلكه بورخس نفسه!..
- ليس الأمر صعبا كما كنت أتوقع!..(قال لنفسه)
ركز سن القلم على بدن القرطاس، و تهيأ لسفك الحبر...
بدأت أنامله تتحسس ملامح الحلم.. شريط أمنيات حلوة، يغازل خياله الجامح؛ رواياته، تحقق أعلى المبيعات، تترجم إلى عشرات اللغات، جماهير من المسحورين بفنون السرد، يزحمون طريقه، يطلبون توقيعاته، و يهفون إلى استخراج نصائحة للأدباء الناشئين.. حصاد وفير من الجوائز المحلية، و الدولية، سيول من الأموال، تتدفق إلى جيوبه..
انتفض من وسنه على دغدغة سيول اللعاب، التي تدفقت على لَحييه!
باشر العمل..
القلم يحرن!.. يجره بكل قوته! لا جدوى!.. يهب واقفا، يستجمع كامل قوته، يضغط بكل عضلاته، يدفعه بكلتا يديه!.. لكن القلم يصر على ملازمة مكانه، في إباء عجيب!
الورقة هي الأخرى، تفر من بين يديه!.. تحلق من زاوية إلى زاوية!.. و هو يلاحقها..
تصبب جبينه عرقا، تلاحقت أنفاسه.. أخيرا.. استطاع أن ينحت أول حرف في روايته.
......................

عشرة أشهر كاملة.. لم يتجاوز خلالها عشر صفحات!
- لا بأس.. هذا شأن العباقرة..
- الأفكار الجيدة، دائما تكون عسيرة المخاض. (أضاف..)
ما كاد يباشر الكتابة من جديد، حتى أحس بأحدهم يشده من طرف بنطاله.
العجوز المصدور! الذي جعله بطل المراطون، ينظر إليه- لاهثا- و هو يستعطفه أن يمن عليه بوظيفة أخرى، أكثر راحة و استقرارا.
أوشك أن يلبي طلبه، لولا اليدان اللتان امتدتا إليه، و خنقتاه بقوة؛ المصارع الشرس، لا يرضى بدور بائع في محل الزهور!.
فوضى عارمة في مبنى الأوبرا؛ بسبب نهيق (الحمار) الذي يقف على المنصة!.. أحدهم يشده من شعر رأسه.. عض، و خنق، و رفس!..
القلم يحرن من جديد..! الورقة تتفلت!.. المكتب يهتز!.. أصوات ضارعة، تتوسل إليه أن يتوقف عن الكتابة!..
حمرة قانية، تكسو بياض عينيه، رعشة شديدة، تهز كفيه، تقاسيم وجهه تزداد قبحا..
- اللعنة على الروايات، و على الأدب.(قالها، و هو يضغط على مخارج الحروف)
- سحقا لليوم الذي عرفت فيه مثل هذا الهراء. (صراخه يكاد يقتلع سقف الغرفة)
القلم دفع ثمن إبائه، شظاياه تتناثر على أرض الغرفة. الأوراق كذلك.. حتى المكتب لم يسلم!..
بعد أن استرد جزءا من هدوئه، و استقرت أنفاسه شيئا فشيئا.. سار صوب الباب، و هو يتمتم:
- البقال كان على حق !.. الاشتغال بالروايات من اهتمامات التافهين!!