أَلاَ أَوْقِدِي جُرْحِي إِذا اللِيْلُ خَيَّمَا وَأَنْ تُمْطِرِي قَلْبِي إِذا الأُفْقُ غَيَّمَا
وَطُلِّي ضِيَاءً ؛تَشْجُرِيْنَ مَوَاجِعِي وَتَسْتَنْهَضِيْنَ الجُرْحَ وَجْداً تَرَنَّمَا
فَعِنْدِي تَفَاصِيْلُ الحِكايَةِ تَنْتَشِي وَمُجْمَلُهَا بَدْءٌ تَقَرَّى الرُؤَى دَمَا
أَعِيْدِي تَبَارِيْحِي قَصِيْدَةَ وَحْيِّنَا دُجىً حِيْنَ تَقْتَادُ الكَوَاكِبُ أَنْجُمَا
أُخِيْطُ مَسَافَاتِ الهَوَى شَجَراً وَقَدْ نَزَفْتُ اغْتِرَاباً بَعْدَمَا العُمْرُ صُرِّمَا
وَحِيْداً هُنَا أَجْتَرُّ مَأْسَاتِنَا ضَنىً وَيَشْرَبُنِي هَذَا الحَنِيْنُ عَلَى الظَّمَا
أُقَاسِمُ لَيْلَ التَّيْهِ أَنْفَاسَهُ مَدىً وَيَأْكُلُ أَعْصَابِي نَشِيْجٌ , بِهَا نَمَا
ضَعِيْ نُقْطَةً لِلْبَدْءِ حَيْثُ مَوَاجِعِي تَجَلَّى بِهَا الإِنْسَانُ يَرْجُو تَعَلُّمَا
مَرَايَا كُهُوفِ البَدْءِ تَسْكُنُنِي رُؤىً خِصَاباً وَهَذَا الطَّاسِلِيُّ لَهَا انْتَمَى
أَجَلْ تِنْ هِنَانُ الشُّوقِ حِيْثُ وَجَدْتِنِي أُطَرِّزُ هَذِي الأَرْضَ حَرْفاً وَ مَعْلَمَا
أُخُطُّ بِتِيْفِيْنَاغِ رُؤْيَايَ فَوْقَهَا بِقَطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ القَدِيْمِ تَأَقْلُمَا
وَحِيْداً أُدِيْرُ الطَّرْفَ فِيْهَا تَرَقُّباً لَعَلَّ يَعُوْدُ الشَّدْوُ بَعْدَكِ بَلْسَمَا
أُعِيْدُ لِهَذَا البِئْرِ مَاءَ مَوَاجِدِي فَتَشْرَبُنِي هَذِي العَوَالِمُ زَمْزَمَا
بِعَيْنِيْكِ حُلْمٌ قَدْ تَنَوَّرْتُ نَارَهُ فَقَلْتُ امْكُثِي آنَسْتُ دِفءً مُضَرَّمَا
فَنُوْدِيْتُ هَمْساً رَنَّ مِنْ جَانِبِ الرُؤَى هُنَا تَقِفُ الجَدَّاتُ يَنْسُجْنَ مَوْسِمَا
نَصَبْنَ خِيَامَ القَلْبِ بَدْءاً , مَدَدْنَهُقِرىً وَاشْتَعَلْنَ الآنَ نُوراً فَأَلْهَمَا فَقُلْنَ اقْتَرِبْ أَمْدُدْ يَدِيْكَ وَلاَ تَخَفْسُرىً وَاقْتَبِسْ مَا شِئْتَ فَالرَّبُّ أَنْعَمَا
فَهَذِي خُطُوطٌ فِي يَدِيْكَ مَسَافَةٌ فَوَاصِلُهَا سِرٌّ أَتَى الدَّهْرَ مُبْهَمَا
وَصُحْنَ أَفِقْ لاَ تَنْبُشَنَّ جِرَاحَنَا مَخَافَةَ قَومٍ كَذَّبُوكَ تَبَرُّمَا
فَفِي شَدْوِكَ الحَانِي تَرَاتِيْلُ نِسْوَةٍ يُخَبّْئْنَ لِلإِمْزَادِ لَحْناً تَيَتَّمَا
يُفَتِّشْنَ عَنْ قَنْطُورَةٍ2 حِيْنَمَا رَنَتْ لِيَقْشَانِهَا3 تَسْتَرْحِمُ العُمْرَ جَرْهَمَا4
بَكَتْهَا مَزَامِيْرُ الهَوَى , عِنْدَ مَتْنِهَا تَشُدُّ لِجِذْعِ النَّخْلَةِ الآنَ مَرْيَما
أَجَلْ تِنْ هِنَانُ الشَّوقِ تِلْكَ خِيَامُنَا بِجُرْحِ الأَمَازِيْغِ ارْتَجَتْكِ تَكَرُّمَا
أَعِيْدِي لَنَا يُوغَرْطَةَ5 النُّبْلِ قِصَّةً تُؤَرِّقُ سُولاَ6 بَعْدَمَا حَرَّكَ الدُّمَى
سَلِيْه فَهَلْ يُوغَرْطَةُ النُّبْلِ غَرَّهُ (عَشَاءٌ أَخِيْرٌ)7كَانَ غَدْراً وَعَلْقَمَا
وَقُولِي يَزِيْداً8 ظَنَّهَا أُمَوِيّةً يُعِيْدُ بِهَا الحَجَّاجَ فِيْ سِيْرَةِ العَمَى
هُنَا قَبْلَ بَدْءِ البَدْءِ قَدْ كَانَ بَدْؤُنَا مُضِيْئاً لِغَيْرِ المُنْتَهَى فِيْكِ مَا انْتَمَى
فَهَلْ غَرَّبُوكِ الآنَ بَعْدَ تَرَحُّلِي وَقَدْ شَرَّقُوكِ الأَمْسَ مَعْنىً مُعَتَّمَا
قِفِي تِنْ هِنَان الشَّوقِ عِنْدَكِ عَلّْلِي لِمَاذَا أَهَقَّارُ9 الشُّمُوخِ تَلَثَّمَا
أعِيْدِي عَلَى قَومٍ اسْتَرَابُوا عَمَامَتِي كَأَنْ لَمْ يَرُوا قَبْلِي نَبِيْلاً مُعَمَّمَا
أَمَا تَذْكُرِيْنَ البِيْدَ حِيْنَ عَزَفْتِنَا قَصِيْداً بِمَحَّارِ10 الحَنِيْنِ مُتَرْجِمَا
وَتَسْتَقْرِئِيْنَ الوَشْمَ11, بَعْضُ خُطُوطِهِ حُظُوظٌ تَنَدَّى الحَرْفُ مِنْكِ تَوَشُّمَا
عَلَى النَّاقَةِ البِيْضَاءِ لَبَّى مَسِيْرُنَا فَغَازَلَ هَذَا التَّيْهُ دَرْباً تَلَعْثَمَا
أَقُولُ لَهَا سِيْرِي , (فَلِلْنَّمْلِ وِجْهَةٌ)12 يَسِيْرُ إِلَيْهَا , خَالِفِيْهَا تَوَسُّمَا
مَلَكْتِ , إِلَيْكِ الأَمْرُ شُورَى , نَعُدُّهُ رُؤىً فَانْظُرِي مَا تَأْمُرِيْنَ تَحَكُّمَا
أَجَلْ تِنْ هِنَانُ الشَّوقِ تِلْكَ قَضِيَّتِي عَلَى لُغَتِي الأُمِّ انْحَسَرْتُ تَكَتُّمَا
يَلُومُونَنِي قَومٌ عَلَى حَرْفِ بَدْئِنَا وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً لِذَمّي تَيَمَّمَا
عَلَى مَ تُرَاهُمْ وَسَّعُوا الشَّقَّ بَيْنَنَا وَقَدْ خَبِرُونِي وَاسْتَبَانُوا التَّوَهُّمَا
أَجَلْ يَا سُرَانَا حَدَّثَتْنِي حِكايَتِي بِنَبْضِ المَمَالِيْكِ الَّتِي لَنْ تُنَسَّمَا
حَمَلْتُ إِلَى فِرْعَوْنَ مِصْرَ حَضَارَتِي يُرتِّلُهَا شِشْنَاقُ13عَصْراً مُؤَمَّمَا
وَمِنْ بَعْدِهِ قَرْطَاجُ مَدَّتْ أَكُفَّهَا لِتَسْأَلَ .أَنْ تَبْتَاعَ رُوْمَا14 تَرَدُّمَا
أَجَلْ تِنْ هِنَانُ الوَجْدُ ضَيَّعْتُ وِجهَتِي وَ فِيْ زَمَنِي يَزْدَادُ دَهْرِي تَوَرُّمَا
أَتَيْتُكِ مُكْتَظّاً بِمُوتَايَ , شَفَّنِي نُزُوحُ الهَوَى عَنْ خَافِقٍ قَدْ تَحَطَّمَا
فَمَاذَا لَهُمْ لاَ أَحْسَنَ اللّهُ حِفْظَهُمْ إِذَا غَرَّدَ الإِمْزَادُ يَمْحُو التَّجَهُّمَا
أَطُلِّي فَدَاكِ القَلْبُ رُوحاً وَغَيْمَةً إِذَا جَادَكِ الغَيْثُ المُعَتَّقُ أَوْ هَمَى
خُذِي نَبْضَنَا يَخْتَطُّ أَنْدَلُساً مَدىً يُعِيْدُ زَمَانَ الوَصْلِ بُعْداً مُتَيَّمَا
فَلاَ تَأْسَفِي إِنَّ الحَقِيْقَةَ مُرَّةُ سَرَتْ كَالدَّوَاءِ المُرِّ يُشْفِي التَّأَلُّمَا
وَبَعْضُ الأَسَى يُضْنِي الحَلِيْمَ تَصَبُّراً سَرَى لِشُقُوٌقِ الذَّاتِ طُهْراً وَ مَرْهَمَا
فَمَهْلاً أَقِلِّي اللَوْمَ , لَوْ دَهْرُنَا أَبَى لَقَدْ صَحَّ مِنِّي العَزْمْ والحَظُّ بَجَّمَا
أَيَا حُرَّةً فِيْ الطَّاسِلِي قَدْ تَحَصّنَتْ بِأَبْلَسَّةَ15 الغَنَّاءِ تَسْتَرْفِدُ الحِمَى
فَهَا قَدْ أُرِيْقَ الآنَ لِلَّيْلِ رَفْدَه وَأَبْلَجَ صُبْحِي يَسْتَرِيْحُ بِمَا كَمَى
وَيَنْسُجُ فِيْ الإِمْزَادِ لَحْنَ مَوَاجِعِي لِيُوقِظَ أَحْقَابِي إِذَا الدَّهْرُ هَوَّمَا
وَعَمَّا قَلِيْلاً تَنْتَهِي غُصَّةُ الرُّؤَى وَفِي الذَّاتِ حَقّاً مُسْتَرَادُ تَأَزَّمَا
أَقُولُ تَنَاهَى شَدْوُنَا حَدَّ دَمْعِهِ إِلَى مَسْمَعِ الدُّنْيَا يُقِيْلُ التَّنَدُّمَا
فَهَلْ يَحْمَدُ القَومُ السُّرَى فِيْكِ بَعْدَمَا تَعَرَّتْ دِمَائِي تُقْرِأُ الصُّبْحَ أَنْجُما
أُيَمِّمُ وَجْهِي لِلْضَرِيْحِ لَعَلَّنِي أَطِيْبُ بِعِطْرِ البَدْءِ عِشْقاً مُسَلَّما
وَأَحْضُنُ أَسْلاَفِي بِشَوقٍ مُجَنَّحٍ بِسِرِّ مَقَامِ البَوحِ لَنْ يَتَكَلَّمَا
نُعِيْدُكِ مِنْ مَنْفَاكِ مِنْ سِجْنِ غُرْبَةٍ إِلَى قَصْرِكِ العَالِي لِيَنْسى التَّجَهُّمَا
أُلَمْلِمُ فِيْهِ الآنَ ذَاكِرَتِي رُؤىً تُغَرِّدُهَا الأَطْيَافُ كَيْ تَتَقَدَّمَا
إِلَيْكِ تَلاَحِيْنِي تُسَائِلُنِي مَتَى تَعُودِيْنَ لِلْهُقَّار ثَغْراً تَبَسَّمَا

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
1: تن هنان : هي تين هينان (Tin Hinan) هي ملكة قبائل الطوارق، وقد حكمت في القرن الخامس الميلادي
2 : قَنْطُورَةٍ هي الزوجة الثالث لسيدنا إبراهيم أمّ يَقْشَانَ أبو البربر حسب ما ورد عن ابن خلدون مقتبسُ من ديوان عبد العالي رزاقي (أطفال بورسعيد يعودون)
3 : يَقْشَان : هو أبو البربر حسب المصدر السابق
4 : جَرْهَمَا : جرهم قبيلة يمنية قديمة من حمير وقيل من العماليق عاصرت النبي إسماعيل وقد تزوج منهم.
5: يُوغَرْطَةَ : ولد يوغرطة المازيلي بسيرتا عاصمة نوميديا تسمى حاليا قسنطينة سنة 160 قبل الميلاد، هو حفيد ماسينيسا ملك نوميديا وابن مستنبعل أخ الملك النوميدي مكيبسا .
6 : سُولاَ : قائد روماني
7 : (عَشَاءٌ أَخِيْرٌ) : في حفلة غدر وتآمر أقامها القائد الروماني سولا، بالتعاون مع بوكوس ملك المغرب، حيث دعي يوغرطة إلى حفلة عشاء فقبض عليه وصلب في شوارع روما عام (105ق.م).
8 : يَزِيْد : يزيد بن أبي مسلم ولاية المغرب، وكان شديدا جائرا حكم مثل الحجاج بن يوسف الثقفي في العراق بالشدة والعنف، فثار عليه البربر وقتلوه عام 720م. وبحسب حياة عمامو في كتابها "أسلمه بلاد المغرب"
9 : أَهَقَّارُ : هقّار هو ابن تن هنان الذي يعتبره أول من وضع لثاما على وجهه حسب ابن خلدون
10 : مَحَّار : محار الموريكس الذي كان الأمازيغ قديما يستعملونه في الطقوس الجنائزية،
11 : الوَشْمَ : كان الأمازيغ أول من سعوا في ممارسة الوشم الذي عكس فلسفة خاصة بهم ارتبطت بمعتقدات وطقوس دينية كان من أهدافها إبعاد الروح الشريرة عن الإنسان والأشياء.
12 : (فَلِلْنَّمْلِ وِجْهَةٌ) : خَرجَت ْذات تاريخ من تافيلالت تن هنان ,وليس معها غير خادمتها "تَكَّاوت" وبعض العبيد ؛
الحكاية أن السفر طال بالركب ,وكاد يهلك جوعا وعطشا في " في فيافي خالية، لا تَعْوي بها غير الرياح؛لولا أن الخادمة تفطنت إلى مملكة نمل تسير في وجهتها ،محملة بما تختزنه لشتائها.بسرعة اتقدت فكرةُ الخلاص في ذهن" تن هنان ": السيرُ عكس َوِجهة النمل
13 : شِشْنَاقُ : أو الملك شنشنق الأول، مؤسس الأسرة الثانية والعشرين الفرعونية، بربري الأصل بحدود 950 ق. م
14 : (أَنْ تَبْتَاعَ رُوْمَا ) : مقولة يوغرطة الشهيرة " روما أيتها الملعونة، لو وجدت من يشتريك لبعتك في الحال".
15 : بِأَبْلَسَّةَ : هي بلدية تبعد عن الولاية تمنراست 85 كلم بها ضريح الملكة تن هنان ذو 11 غرفة.