غرست الكرسي أمام النافذة، وجلست وحدها في الغرفة، تحدق في الغروب وترقب ولادة المساء، كانت أصوات الموسيقى تعلو صاخبة تطرق أبواب عزلتها ،ورائحة الكعك تتغلغل عبر مسامات غربتها،كلهم في البيت يغنون ويرقصون،ولا غرو في ذلك فاليوم هو يوم ميلادها،كل عام يجتمعون ويحتفلون،وتدخل هي غرفتها وتجلس أمام النافذة،تشهد الغروب يأكل أطراف الشمس، ويبتلع أحلام النهار،تنحدر من عينيها الذابلتين دمعة يائسة،في تلك اللحظة لا يجتاح كيانها سوى ذكرى أليمة ، يرافقها سؤال لصيق بها كظلها:لماذا أنا هنا؟؟
لكن الإجابة تكون حاضرة في ذهنها،وتعود بذاكرتها إلى الوراء،تستحضر ذلك الحوار :
_ أبي لا أريده ،لا أحبه،دعني أكمل دراستي
_ كفي عن هذه السخافة،المرأة لم تخلق إلا لبيت زوجها،وشهادتها مهما كانت فمصيرها أن تعلق على أحد جدران المطبخ
_ أبي لا أطيق أن أراه
_كم أنت ساذجة،الفقراء مثلنا ليس لهم إلا شرفهم يحملونه على أكفهم ويمضون،هو رأسمالنا في هذه الحياة.
_ أبي صدقني لن أتمكن من الاستمرار معه،فهو ليس فارسي الذي يزورني على فرس أبيض ذات حلم.
_ عن أي أحلام تتحدثين،الحب يأتي بعد الزواج.
_ (تجثو على ركبتيها تقبل قدميه) أبي أرجوك أتوسل إليك.
_ يركلها برجله ،ويتابع أيتها الغبية،باب السعادة لا يفتح للإنسان إلا مرة واحدة في العمر،وهذا باب سعادتك مفتوح أمامك.
_أبي أعطني فرصة دعني أفكر.
_لا مجال للتفكير، لقد أعطيتهم كلمة،والأسبوع القادم ستكون خطبتك.
تتنهد بعمق،وتطلق زفرة كانت دفينة تحت رماد الذكريات،وتعود لتحدق بالأفق،تتمنى لو أنها كانت نقطة سابحة فيه،على الأقل كانت ستتخلص من حياتها التي انتهت قبل أن تبدأ.
وتنزلق من عينيها عبرة ثانية أشد يأسا من الأولى،وتنثال الصور عبر مخيلتها الواحدة تلو الأخرى،زيارته الأولى، جلوسه معها،اختلاؤه بها،خروجها معه،حفل زفافها الذي كانت فيه كمن يساق إلى الموت وهو ينظر،سفره الدائم،إخوته الذين ليس لهم عمل في الدنيا سواها،طفلتها الأولى التي جاءت ألى الدنيا ولم تر والدها إلا بعد عام، كلها صور خضبتها فجيعتها بذاتها.
وتهوي من عينيها دمعة سرعان ما تغيض بين تجاعيد وجهها،تنظر إلى صورتها الحبيسة داخل الإطار،تبتسم وتردد بصوت متعفن:
الفرق بيننا شكل الإطار فقط .
حلا أخت نور