(( مطر ))


"أعشق أمطار الشتاء .."
تضحك كما الأطفال ...
...
"أعشق أن تمسها أناملي .."
أبتسم إليها .. بصمت

"كنت دوما أهرب من أمي كي أركض تحتها "
تعانق فرحها الطفولي عيناي
...

"وتبتل جميع خصلات شعري"
على محياها أرق ابتسامة
...

"حرة مثلها أنا .. حبيبي"
هنا صمتت .. ولم تتابع رسم المطر

حاول شيئ بداخلي أن يجاوب نفس السؤال .. وأخفيته
..
بضع قطرات أخرى ...
و أبتلت في قلبينا كل الدروب ..


------------------------

(( خارج جدار الحجرة ))

"سترجع الآن إلى غرفتك "
قالتها بغضب بينما علت وجهه نظرة حزينة فيها كثير من رجاء

"أنت أفسدت ملابسك بكل هذا الطلاء من حولك "
"أنظر .. سيحتاج هذا عمر من الغسيل "
"أنا تعبى من كل تلك الأعباء .. ووالدك لا يساعد في شيئ كعادته!"

طوى الجريدة والده .. ونظر إليها .. هم بالجواب .. لكن أستوقفته نظرة من عينه
عاد والده مجددا يتصفح الجريدة باحثا عن وظيفة ..

أخذته من يده ...هو لا يتكلم ...
فقط ينظر إليها ..بنفس النظرة ..ونفس الرجاء ..
بدأت في إبدال ملابسه .. تفعل ذلك بعنف أنثوي .. ذلك العنف الذي لا يؤذي ضحيته ولكنه مؤلم الملمس

ما زال يحاول أن يجد طريق إلى عينيها .. باءت محاولاته بالفشل ..فسالت من عينه الدموع ..
"وتبكي أيضا"
"أنت لا تطاق !"
أجلسته بنفس عنفها الأنثوي على سريره وحيدا و أغلقت باب الحجرة ..
...
في داخل جوف الظلمة احتضن لعبته التي لا تتكلم و بين قطنها الناعم جلس يبكي ...
كان يبكي فقط لأنه فارق ورقته الصغيرة التي رسمها بألوانه وتركها على الأرض وحدها مهملة هناك خارج جدار حجرته.


------------------------
(( شهادة تقدير ))

"أحضري لي قليلا من الشاي"
قالها وتابع أبحاثه التي يعكف عليها.. يعشق هذه الدراسة.. هو فيلسوف فيها الآن
أحضرت زوجته الشاي ساخنا برائحة النعناع ..

"شكرا .. "
قالها وتابع من جديد القراءة وتدوين ملاحظاته على موضوع البحث ..

- "يا .. " ناداها باسمها
- "أحضري لي مزيدا من الورق الأبيض"
سارعت بإحضار الورق إليه

بالنسبة له كانت هذه الطلبات شديدة الأهمية لإكمال ما بدأه .. تبدأ طلباته عادة بعد عودته من العمل و دخوله إلى حرم مكتبه الفخم المعد بعناية لمتابعة العمل في المنزل, وهي كانت أبدا لا تتوانى أو تتأخر في إجابة كل ما يريد ..

في اليوم التالي استيقظ وحده مبكرا .. كانت زوجته نائمة بجواره ..
نظر إليها وهم أن يقبل جبينها .. قبل أن تمسها شفتاه تذكر الموعد ..
أسرع بارتداء ملابسه و جرى ليحضر أوراقه و ابحاثه ..
سقطت منه إحدى الملازم .. سارع بالتقاطها من على الأرض ووضعها بعناية داخل حافظة الأوراق
... وضع قدميه بعد ارتدائه جواربه النظيفة في حذائه اللامع بعناية ..
يتعجل الآن وهو يلبس رابطة العنق .. يسرع نحو الباب


أنطلق في سرعة إلى العمل في حدود السرعة المسموح بها للقيادة في مدينته ..
"هذا بحثي العاشر في خلال سبع سنين .. " تذكر هذا وهو يزوي حاجبيه معتصرا ذهنه ليتأكد من إجابته
"مهم أن يبذل المرؤ كل المجهود ليتقدم ..شهادات التقدير التي يحصل المرؤ عليها هي عنوان نجاحه .. اليوم سأحصل على واحدة أخرى أيضا" ..
أسعده ذلك كثيرا

وصل لقاعة الإجتماعات مبكرا .. سرعان ما امتلأت القاعة بالحضور .. بدأت أحداث الجلسة المنتظرة .. حان الآن دوره في الحديث ..
"زززززز" !!
هاتفه الخلوي يرتعش في جيبه .. هو قد أغلق خاصية الصوت فيه حتى لا يحدث إزعاجا وهو بهذا الحدث الهام.. أهمل الهاتف .. وبدأ في عرض ما توصل إليه ..

"زززززز" يرتعش الهاتف في جيبه مرة أخرى بعد مرور عشر دقائق من المرة الأولى وبإصرار أكبر هذه المرة .. مما أضطره أن يضع يده جيبه ويغلقه
....
انتهت الجلسة ..
وكالعادة خرج منها فائزا .. مبتهجا .. فما أجمل حياته وهي تمضي من نجاح إلى آخر ..
"زززززز"
هذه المرة لم يجيب ولم يكترث حتى أن يدري من المتصل .. ألقاه بجانبه وتابع جلسته المريحة في مكتبه وهو يتلذذ بتذكر أحداث الجلسة


أنهى عمله في نفس التوقيت المعتاد يوميا .. توجه لسيارته وكل من يقابله يهنئه بإنجاز اليوم .. وصل الآن لسيارته أدارها و اتجه للمنزل ..
في الطريق تذكر زوجته .. غريبة لم توقظه اليوم ليذهب للعمل..
"هل قد صارت كسولة مؤخرا؟؟" حدث نفسه لكنه لم يكترث لتفسير هذا الأمر كثيرا

وصل للمنزل .. و أغلق وراءه الباب واتجه لغرفته .. أراد أن يضع الشهادة إلى جوار شهاداته الأخرى .. تعثر في شيء ملقى على الأرض .. فاتجه بتلقائية نحو مقبس النور .. حين طاف النور أرجاء المكان تبين أن زوجته ممددة على الأرض .. ألقى بكل شيء يمسكه في يديه .. الشهادة و الأقلام و محافظ الأوراق وسلسة المفاتيح وحتى هاتفه الخلوي الثمين ... وهي .. ممسكة أناملها بسماعة الهاتف الملقى إلى جوارها على الأرض كأنها كانت تبحث فيها عن الحياة التي كانت تغادرها وقت أن غادرتها بالفعل .. وضع يده على رقبتها الرقيقة بكل لهفة عله يجد في عروقها بعض النبض .. كانت رقبتها الرقيقة باردة الملمس بلا حراك و بلا حياة.. ووجهها يحمل الكثير من علامات الرحيل .. انتاب قلبه وروحه لوعة و حسرة عارمة ومشاعر لم يدرك أبدا معناها إلا الآن .. بدأ يبكي بجوارها بهستيريا مجرد تماما من كل نجاحاته .. و من بين الدموع الكثيرة تمنى .. لو أن شفتيه وصلتا إلى جبينها هذا الصباح!!