ليلة عمر ثانية


وقَف أمام المرآة يتحسَّس بيده لحيتَه البيضاء الكثيفة، ثم رشّ فوق رقبته عطرًا فرنسيًّا، وارتدى جلبابًا أبيضَ وهو يدندن أهازيجَ الحب، فأخيرًا سيفعَلها، ورفاقُه سيدعمونه كما وعَدوه، ويزوِّجونه بحسناء ذات جمالٍ خلاب.

انتهى من ترتيب هندامه، ثم جلس على كرسيٍّ يمحو في هدوء صورةَ زوجته من ذاكرته، وهو يتمتم مع نفسِه: لقد مللتُ شكواها من ألَمٍ في خَصْرِها كلَّما تقلَّبت فوق المرتبة، وجسمها صار كتلةَ شَحم، وتُعاني من السُّكَّري، والكولسترول، والروماتيزم، وأشياء أخرى.. أليس من حقي أن أعيشَ شبابي المتبقي مع ثانية؟!

أخَذ أنفاسًا من أيامه الخالية، فعادت به الذِّكرى إلى اليوم الذي لمحَتْها عيناه أول مرة وهي تمرُّ أمامه، فغُشي على قلبه، فوقَف أمام بوابة قلبها مترجيًا الودَّ، وهو يقسم: إنها الأولى والأخيرة.. وقبَّل رأسَ أمه آلاف المرات كي تساندَه وتقنعَ والده، رغم كُرهها لتلك العائلة بسبب نزاعٍ على عقارٍ قبل قرون، توارثته العائلتان، أما العقارُ فقد استولى عليه آخَرون!

زفَر زفراتٍ متتالية، بعد أن أفرغ ذاكرتَه من ماضيه، ثم توجَّه إلى بيت عائلة العروس، واحتفل بليلةِ عمرِه الثانية!

وحين أشرقتِ الشمس، لَمْلَمَ أطرافَه وخرج مُهرولاً، وقد ارتدى فردة حذاء العروس، وفردة والدِها، ثم اتصل بها طالبًا منها العودةَ للمدينة.

في المطار، هُرِع إليها وأخَذها بالأحضان، وهو يطلُبُ منها المغفرة ويتوسَّلُ إليها أن تنقِذَه من الثانية، مقسمًا: أن رفاقَه نوَّموه مغناطسيًّا، ولم يشعُرْ بما حدَث في تلك الليلة!