إصبِر فإني أرَى في وَجهِكَ الفَرَجا
سَمعتُ خِطابَ رجلٍ من سادات الأمة نِصفهُ في الأخرة فأحزنني وقلت :

إصبِر فإني أرَى في وَجهِكَ الفَرَجا
وَوَجهُ غَزَّةَ في خَدَّيكَ مُبتَهِجا
وفي جَبينِكَ آياتٌ مُطََرَّزَةٌ بالحَقّ
فاصدَح بِها مُستَعصِماً لَهِجا
أصبِِر فإنّكَ – أيمَ اللهِ – رائِدُها
نحو الخُلود فَشيِّد حولَها البُرُجا
قَاتِل بها الدّهرَ ، أنت اليومَ فارِسُها
وأعبُر بها البَحر، أقحِم صِيدَها اللُّجَجا
يا أشيَبَ الحقِّ إن الأربَعين قَضَت
لا تَخشَ في شَيبَةِ الإسلام أن تَلِجَا
فليسَ أوّلَ مَوتٍ قُمتَ تَقحَمُهُ
ولَستَ أوّلَ من رَامَ الرّدى ونَجَى
فَكيفَ تُكتَبُ في سِفر الخَالِدينَ ولمْ
تَسفَحْ لِمَبدَئِكَ العَينينَ والوَدَجَا
حِصارٌكَ اليومَ بالحَقِّ الّذي حَمَلوا
حِصارُ يَثرِبَ لَمَّا استيئَسوا انفَرَجا
وجوعُكَ اليوم جوعُ الرَّهطَ من مُضَرٍ
في شِعبِ مَكَّةَ لمَا حوصِروا حِجَجا
لِتَعلَمَ الأرضَ أن الحَقَّ مُنتَصِرٌ
ونوقِدُ الدّمَ في الأقصَى لَهُ سُرُجا
كَمِ ادلَهَمَّت بأهلِ الحقّ مَرحَلَةٌ
فقُمتَ تُدلِجُهُم لَمَا الظّلام دَجَا
إصبِِر ونفسي فِدا حَقٍّ يوطِّئُهُ
رَسيمُ خَطوٍكَ إذ دَمَّغتَها حُجَجا
إصبِر فَديتُكَ ما أوتيتُ من سَعَةٍ
وجُلُّ قومي هُنا يَفدُونَكَ المُهَجا
فانهَض بأمرِِكَ هذي الأرض غالِيَةٌ
إن المَعالي إذا ما رُمتَها دَرَجا
الرّملُ جاعَ وما جاعَت ضَمائِرُكُم
والبَحرُ جَفَّ ومَاءُ العَزم ما انحَرَجا
عُشرونَ عاماً عَطاءاً لا نَفاذَ لَهُ
وكُلَما جُزَّ فيها زَرعُكُم نَضَجَا
ضَاقَت عَليكم بِلادُ الَله قَاطِبَةً
ولا يَزالُ من اللهِ اللَطيفِ رَجا
ضاقَ الحِصارُ وضاقَ البَحرُ حولكُمُ
والبَغيُ والظلمُ في عَصرِ العبيدِ سَجا
فاصبِر أبا العَبدِ فالعُقبى لمن صبروا
ومن على دَرب أصحابِ العُلى نَهَجا
(واصبِر لَها غير محتالٍ ولا ضَجِرٍ)
ففي الزّمانِ مَواعِيظٌ لأهلِ حِجا
فالزَم حُقوقَكَ إن الحقَّ مُلتَزَمٌ
وبعضُ قَومي هُنا يَبغونَهُ عِوَجا
واعلَم بأنّك مَطلوبٌ وذو خَطَرٍ
وتَصعَدٌ اليومَ عَكسَ الرِّيحِ مُنعَرَجا
فابرُز لِحَتفِكَ لا شَاكٍ ولا ضَجِرٍ
فإنّ فيهِ وفي عِلاّتِهِ حَرَجا
فلن يَكون دَمُ الثوّارِ في شَرَفٍ
حتّى يكون بِرملِ الشّطٍّ مُمتَزِجا
تَظلٌّ ما بقي الإسلام في بَلَدٍ
تُزكي الحُقوقَ على طُلاّبِها أرَجَا
فَي سَاحِلُ الشّامِ قومٌ للوَغى صُبُرٌ
لاقُوا المَنايا زُحوفاً إذ أقبلَت هَرَجا
رُحماكِ غَزّةَ رُحمى الصّادقين بِها
ما أنَّ فيكِ حَزينٌ بالبَلاءِ شَجا