حرائق البلبل في سرير الوردة
(1)

البلبلُ السكرانْ
خبأ صوتهُ
في زهرة البستانْ
وحين اختلط الشذى بالصدح ِ
اشتعل المكانْ


قد يحدث الحريق من شرارة طائشة، أو من نظرة ساحرة تصوّبها على عجلٍ عيون امرأة من قرنفل وزرقة غائمة، قد يحدث من شذا الوردة ومن صدح ذبيح، كأنك زهرة البستان وكأنني البلبل السكران ماذا تبقى ليحدث الحريق؟ سيحدث الحريق!
سيحدث لحظة تساقط حقول الورد على التنهدات الذبيحة، وبعد انفلات قطرات الحياة من نهدي سحابة بستان، وستحدث أشياء غامضة تساعد في تشكيل المشهد، تضفي عليه لمسات ساحرة. ومع ذلك أقول: يعذبني بعض الوضوح في الأشياء، لأن من حقي أن أدخل في الغامض السري، وأخرج بوضوح من إنجازي، ويكون أجمل حين يتمطى في سرير الروح كعاشقة تنتظر. أحب الوضوح الذي لم يكن، الوضوح الذي سيكون، شريطة أن أخرجه بأصابع روحي من كهف الأبدية الغامض. قد يحدث الحريق، ذات يوم سيحدث الحريق.
***
ذات صباح مررت ببرعم لم يتفتح بعد، اشرأب نحوي كأنه يهمس لي: سرْ أيها العاشق، لم يحن بعد وقوف التأمل، فمشيت. ذات صباح مررت بوردة متفتحة، اشرأبت الروح نحوها كأنني كنت أهمس: ما أجملك أيتها الوردة؟
سبحان من جعل البرعم وردة، البرعم ذكوري الدلالة، والوردة بكل جلالها وبهائها أنثوية الدلالة، من منابع العبق إلى زوابع الشبق.
بين صباح وصباح، يتحول البرعم إلى حالات أكثر اتساعاً تفضي إلى الحرير الملون في الأرض وإلى قوس قزح في أعالي اللازورد، كذلك في السماء متسع، إن أردنا الوصول. هذا هو النشيد الكوني الخارج من البستان والداخل في الكينونة العظمى.. الإنسان.. الإنسان.. الإنسان. آدم برعم الخليقة الأولى وحواء أول الوردات في بستان الخالق الأعظم. أعني الأرض. والأرض كذلك أنثى.
أبحثُ عن أنثى
لا أرض تحملها أو أفقُ
أنثى كالوردة
ليس يُرى فيها العبقُ
يا الله أعنّي. إني أحترقُ

***
السماء كذلك لنا، لنا منها ما لنا على الأرض، كم من السنوات الضوئية يكفي لحرث أرضنا بلهاثنا ثم نصعد إلى سريرنا الأزرق. قالت العاشقة: هيأت لك كل ما تشتهي. الملاءات، الوسائد، أساور الفضة، طاسات العسل. قوارير العطر. كل ما تشاء، لكنني لن أكون معك. قال العاشق: لمن سأصعد إذن.
" على هذه الأرض ما يستحق الحياة".
***
لا أحد يفهم لغة الغيم، لا أحد سوى بذرة الأثلام الدفينة، ومنقار الطير المرتعش، والإنسان الطيب، لا أحد يفهم لغة الغيم، إلا أنت. يعدو البرق كثور هائج في الأعالي، كذلك الرعد، وعلٌ شبقٌ في قطيع النجوم يقال: من ها هنا يبدأ المطر، هوذا الصواب في لغة الحكمة، ليظهر الوعل الشبق والثور المجنح، وما يزيد في اشتعال الفصول الأربعة، في نهارات الأرض الطويلة.
لا أحد يفهم لغة الغيم. لا أحد سوى بذرة الأثلام الدفينة، ومنقار الطائر المرتعش، والإنسان الطيب، لا أحد يفهم لغة الغيم، إلا أنتِ.
***
يغطي مساحة الكون ويزيد. يحتشد في بؤرة تضيء أيقونة الجسد، ينفلت في الليل من أصابع نبضي، أقف بينهما محايداً، لا شيء يعنيني، لا شيء سوى أنك نقطة جذب لكل مقدس وحميم. لم يتغير شيء من عاداتنا الصغيرة, شجرة الأسكدنيا تفرش ظلالها كل ظهيرة، وتطلق براعمها في الربيع، كذلك الثمرات تقف على أرجلها النحاسية في صيف شكيم* المتورد، يمشي إلينا من عَلٍ، ترف بالأجنّة، ثم تقذف بذورها في فم الشتاء الفاغر، ولا تراب إلا ما يخصنا، ولنا الأثلام التي تشمس أحشاءها الحمراء في ظهيرة نيسان، ثمة أجنّة تتحرك فيها.
من ها هنا يبدأ الذي سيغطي الكون، وينهمر في بؤرة مشتعلة ليضيء أيقونة الجسد، ولك الآن أن تدخليني آمنة مطمئنة أيتها الأجمل في عرائس شكيم.
شيءٌ ما يلمعُ في عينيك فأرتعدُ
يتلوى كنسيج النار على شفتيك وينعقدُ
يسحبها بخيوط ليس يراها أحدُ
تنهمران علينا، يرتعشُ الجسدان ونتحدُ
هي قبلتنا أحلم أن تأتي
كفراشة صبحٍ
تسرق حصتها من زنبقةِ الوقتِ
يلفح جنحيها ضوء الشمسْ
تصعدُ في الأفقُ وتبتعدُ
فيطاردها ثغري بأصابعه الخمسْ
هي قبلتنا تأتي أو لا تأتي
ونظل على المقعد، نخلدُ للصمتِ
نتبادل أزهارَ الحمّىفنعودُ ونتقدُ

................
* شكيم: الأسم الكنعاني الأقدم لمدينة نابلس المحتلة, مسقط الروح والبدن ومكان إقامتي الدائم