مَلحمةُ النِّيل *


* ملحمة النيل قصيدة أنشأها الشاعر الأديب الأستاذ/ إبراهيم حلمي في عام 2000 ميلادية ، يسجل فيها أهم أحداث مصر عبر التاريخ من خلال حديثه لنهر النيل ومصر، ونظمها على بحر الطويل وعدد أبياتها 391 بيتاً ، وقافيتها الياء الممدودة وسناد تأسيس قبل الرويِّ. القصيدة هي آخر ما كتبه الشاعر من شعر قبل أن يلحق بربه عام 2002.
أضع القصيدة هنا بتحقيقها تأدية للأمانة تجاه الأدب والشعر والفكر والتاريخ، وتجاه مصر الأبية
لم يتسع وضع القصيدة دفعة واحدة فأضعها على خمسة أجزاء متتالية:


1. قَطَعْتَ بدَمْعِ العَاشِقِينَ الفَيافِيا وجُبْتَ بشَوْقِ العَابِدِينَ البَوَادِيا
2. حَجَجْتَ إليْهَا مِنْ بِلادٍ بَعِيدَةٍ كَمَا حَجَّ "هَارُونٌ" إلَى البَيْتِ مَاشِيا
3. فَيَا لَكَ مِنْ صَبٍّ سَعَى لِحَبِيبِهِ وكَابَدَ وَعْثاءَ الفَلا والسَّوَافِيا
4. يَرُدُّ لِقاءُ الحُبِّ رُوحَ حَبِيبَةٍ وإنْ بَلَغَتْ قَبْلَ اللِقَاءِ التَّرَاقِيا
5. ولَحْظَةِ وَصْلٍ تَعْدِلُ العُمْرَ كُلَّهُ وتُنْسِي تَبَارِيحَ النَّوَى والدَّوَاعِيا
6. وقَدْ آنَ أنْ تَطْوِي شِراعَكَ نَاعِماً وتُلْقِي وقَدْ وَافيْتَ مِصْرَ المَرَاسِيا
7. فَيَا حُسْنَ يَوْمٍ قَدْ بَلَغْتَ كِنَاسَهَا وَنِعْمَ التَّلاقِي كَانَ ذاكَ التَّلاقِيا
8. ويَا طِيبَ بَحْرٍ أنْتِ يَا مِصْرُ بَرَّهُ ويَا طِيبَ بَرِّ بَحْرُهُ النِّيلُ جَارِيا

ــــــــــــــــــ
*
ملحمة النيل قصيدة أنشأها الشاعر الأديب الأستاذ/ إبراهيم حلمي في عام 2000 ميلادية ، ونظمها على بحر الطويل وعدد أبياتها 391 بيتاً ، وقافيتها الياء الممدودة وسناد تأسيس قبل الرويِّ. القصيدة هي آخر ما كتبه الشاعر من شعر قبل أن يلحق بربه عام 2002.
(1) يستهل الشاعر قصيدته التي يعرض فيها لتاريخ مصر من خلال حديثه لنهر النيل ، فيصف لحظة دخول النهر لأول مرة أرض مصر بعد أن شق طريقه من منابعه في الجنوب متجهاً إلى لشمال ، فيخاطبه مصوراً ذلك المشهد واصفاً له وكأنه يراه.
(2) "هارون": هارون الرشيد ، الخليفة العباسي الخامس (763-809 م) ، وكان لا يتخلف عن الحج ماشيا من بغداد على قدميه إلا إذا كان مشغولاً بالغزو والجهاد.
(3) الصَّبُّ: المشوق ، ويقال صَبَّ فلان إلى كذا يَصَبَّ صبابةَ أي رقَّ واشتاق. الوعثاء: المشقة والتعب ، ويقال: أعوذ بالله من وعثاء السفر أي شدته ومشقته. الفلا: جمع فلاة وهي الأرض الواسعة المقفرة. السوافي: الريح المحملة بالغبار والتراب.
(4) التراقي (جمع الترقوة): عَظْمة مُشْرفَة بين ثغرة النحر والعاتق ، وبلغت الروح الحلقوم أو التراقي: كناية عن مُشارفَة الموت.
(5) التباريح : الشدائد ، وتباريح الشوق توهجه. النوى: البعد. الدواعي (جمع الداعية): صروف الدهر ودواهيه.
(6) ناعماً: هادئاً راضياً. المراسي (جمع المرسى): مَحَطُّ السفن بالساحل.
(7) الكِناسُ: مَولجٌ في الشجر يأوي إليه الظبي ليستتر (جمعها: كُنُسٌ وأكْنِسة). والشاعر يصور ولوج نهر النيل في أرض مصر وإيوائه فيها بولوج الظبي في كِناسِهِ على سبيل التمثيل.
9. فَبُورِكْتُمَا زَوْجَيْنِ فِي مَيْعَةِ الصِّبَا لِبَاساً
10. تَكامَلْتُمَا كَأساً ورَاحاً وفُقْتُمَا جَنىً وشَراباً لا يَصُدَّانِ عَافِيا
11. وأشْرَقْتُمَا دِيناً ودُنْيَا عَلَى الوَرَى وأيْقَظْتُمَا فِي المَشْرِقَيْنِ الغَوَافِيا
12. جَمَعْتَ الثُّرَيَّا في عَطائِكَ والثَّرَى وكُنْتَ لَهَا خَمْراً وزَاداً وغَالِيا
13. رَشَفْتَ مَنَ السُّحْبِ الثِّقَالِ رُضَابَهَا وألقَيْتَهُ
14. فَمِنْ عَنْبَرٍ أحْيَيْتَ هَامِدَ تُرْبِهَا ومِنْ كَوْثَرٍ رَوَّيْتَ فِيهَا الصَّوَادِيا
15. سَجَدْتَ بِمِحْرابِ الكِنَانَةِ وَالِهاً فَهِجْتَ القَوَافِي فِي الهَوَى والأغَانِيا
16. وبِتَّ إلَى الأسْحَارِ تَصْدَحُ لاهِياً وفِي وَسَنَاتِ الفَجْرِ تَتْلُو المَثَانِيا
17. فَفي سُبُحَاتِ النُّسْكِ تَهْدِي كَوَاعِباً وفِي خَطَرَاتِ الحُّبِّ تَسْبِي الغَوَانِيا
ـ
ـــــــــــــــــــــ
(9) المَيْعَةُ: أول الشيء ، ويقال هو في ميعة الصِّبا والشباب أي في فترة الفَتَاء. اللباسُ: الزوج ، والزوجة وفي التنزيل العزيز " هُنَّ لِباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ" سورة البقرة ، الآية 187. الحَرْثُ: المتاع من مال وبنين وغيرهما.
الذَّراري: الأبناء ، والمقصود هو كل ما تفرع من نهر النيل من مجارٍ وأوديةٍ .. إلخ.
(10) الرَّاحُ: الخمر. لا يصدان عافيا: لا يَحوُلان دون رغبته في الشراب.
(12) الثريا: مجموعة من النجوم في صورة الثَّوْر ، وكلمة النجم عَلَمٌ عليها. الثرى: الأرض. والغاليةُ: أخلاط من الطيب كالمسك والعنبر ، والمراد رفعة مكانته وطيب عطائه.
(13) الرُّضاب: الرِّيق. والتِّبْرُ: فُتات الذهب والفضة قبل أن يُصاغا. رفَّت مغانيا: أخْضَبَتْ وغَنِيَتْ بالنبات والثمار.
(14) العَنْبَرُ: مادة صلبة تبدو له رائحة طيبة إذا سُحِقَ أو أحرق. هامد تربها: أرضها المجدبة أو الجافة. الكوثر: نهر في الجنة خُصَّ به محمد عليه الصلاة والسلام وقد شبه الشاعر نهر النيل بنهر الكوثر في كثرة عطائه وخيره. الصوادي: العطاش.
(15) محراب الكنانة: يقصد أرض مصر الطاهرة. الوالِه: المتحير من شدة الوجد. هجت القوافي: أثَرْتَ كوامن الحِسِّ وأخيلة الشعراء.
(16) بت إلى الأسحار: يقال بات فلانٌ أي أدرك الليل (نام أو لم ينم) والمقصود أن النيل ظل طوال الليل حتى وقت السحر صادحاً لاهياً ، فإذا ما أقبل الفجر وغفت العيون بَدَتْ موجاته وكأن صوتها تِلاوة من المثاني والقرآن الكريم.
(17) السُّبُحات (جمع السُّبُحَة): موضع السجود ، وسبحات الله: أنواره وجلاله. ويقال نَسَكَ فلان الأرض إذا طيَّبَها وسمَّدها وهو المقصود بسبحات النسك للنيل. الكواعب (جمع الكاعبة): الفتاة التي نهد ثديها. الغواني (جمع الغانية): المرأة التي غَنِيَتْ بحسنها وجمالها.
18. إذَا مَا لَثَمْتَ الثَّغْرَ مِنْهَا تَأوَّدَتْ وفِي خَفَرِ العَذْرَاءِ رَقَّتْ حَوَاشِيا
19. وما تَرَكَتْ مِصْرٌ صِلالاً بِحُبِّها ولا غَشِيَتْ فِيمَا أحَبَّتْ مَعَاصِيا
20. وإنْ وَسَنَتْ عَيْنَاكَ ألْقَتْ غَدَائِراً لِتَحْمِيكَ واسْتَرْقَتْ عَلَيْكَ الرَّواقِيا
21. وإنْ دَاعَبَتْكَ الرِّيحُ مِسْتَ غَلائِلاً وتُلْقِي عَليْهَا مِنْ حَبَابٍ دَرَارِيا
22. نَثَرْتَ عَلَى وَجْهِ العَرُوسِ أزاهِراً فأضْحَتْ رَبِيعاً للدُّنَى ومَجَالِيا
23. شَقَقْتَ بِشَطَّيْهَا الإزَارَ مَحَاسِناً وَألْقَيْتَهُ
24. ولَمْ أرَ فِي العُشَّاقِ مِثلَكَ عَاشِقاً ولا مِثْلَ مِصْرٍ فِي الخَرَائدِ وَافِيا

ـــــــــــــــــــــ

(18) تأوَّدّتْ: مالت وانثنت. خفر العذراء: شدة حيائها. الحواشي (جمع الحاشية): من كل شيء جانبه وطرفه، والمراد إبراز أثر النيل في أرض مصر.
(19) الصِّلال (جمع الصَّلَّة): الجلد اليابس المُنِتْن ، والمقصود أن حب مصر للنيل خالص لم تَشُبهُ أو تَشِينُه معصية أو ما يعكر الصفو بينهما.
(20) وَسَنَتْ العينُ: أخذت في النعاس. الغدائر (جمع الغديرة): الذؤابة المضفورة من شعر المرأة. واسْتَرَقْتَ الرواقىَ: طلبت الرُّقْيَةَ من صاحبها لمزيد من الحماية للنيل ، وهو تصوير لهدأة أمواج النيل الشبيهة بالنعاس وارتخاء الأهداب على العين وكأنها ذؤابات شعر المرأة المنسدلة على الوجه لحمايته.
(21) داعبتك الريح: لامَسَتْ ماءك وحرّكت مَوجَك. مِستَ غلائلا: تَثَنَّتْ أمواجك واختالت في حركتها كميسة الحسناء واختيالها في غلالة رقيقة من الثياب. الحباب: طرائق تظهر على وجه الماء تصنعها الريح (الفقاقيع). دراريا: أي نقاط من الماء تشبه الدُّر في حسنه وبهائه.
(22) الأزاهر: يقصد الشاعر الأزهار لأن الأزهار هي الجمع الصحيح للأزهر من النبات وهو النور الأبيض (وجمع الجمع أزاهير) ويبدو أن ضرورة الشعر كانت وراء هذا الجمع فقد ذكر الشاعر كلمة أزاهير على وجهها الصحيح في البيت رقم 33 يقول فيه (ولم تبق من نفح الأزاهير عاطرا = ولم أبق من عطر القوافي باقيا). والمقصود هو كل ما تناثر وظهر نَوْرُهُ وبدت أزهاره وثماره في أرض الكنانة. الدُّنى: جمع الدنيا، وكل ما قرُب من خير أو شر. والدنيا (مؤنث الأدنى). المجالي (جمع المَجْلى): وهى مواضع الصَّلَع من رأس الإنسان ، ومقصود الشاعر أن كل ما أنبته النيل من تلك النباتات والأزاهير يبدو لكل الرائين واضحاً جَلياً.
(23) الإزار: ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن. ويقال أَزَر الزَّرْعُ : إذا التف فقوَّى بعضُه بعضا. والشاعر هنا يصور الزروع والنباتات التي زينت شاطئ النيل وازدهت بها أرض الكنانة وكأنها إزار من الحسن شُقَّ على جانبيه.
(24) الخرائد (جمع الخريدة): اللؤلؤة لم تثقب وبقيت بحسنها وجمالها وقد شبهها الشاعر بمصر وجعلها معشوقة للنيل وأبداه متفردٌ بهذا اللون من العشق.
25. سَكَنْتَ بِها خَيْرَ المَدَائنِ والقُرَى وأسْقَيتَهَا
26. فَحَصْبَاؤها الِلألاءُ مِنْ رِيقِكَ انتَشَبْ وأنْدَاؤهَا
27. ويَوْماً تَشُقُّ البِيدَ يَقتُلُهَا الظَّمَا ويَوْماً عَلَى الأنْدَاءِ تَرْقَى المَرَاقِيا
28. يَشُقُّ عَلَى نَفْسِي أرَى الدُّرَ غَارِقاً بِقاعِكَ
29. ويا نِيلُ كَمْ تَحْلُو المُناجَاةُ بَيْنَنَا وخَيْرُ حَدِيثٍ أنْ يَكُونَ تَنَاجِيا
30. وقَدْ طَارَ شِعْرِي فِي رِياضِكَ صَادِحاً وأبْدَى مِنَ الأشْوَاقِ مَا كَانَ خَافِيا
31. قَبَسْتُ بِشِعْرِي مِنْ عَبِيرِكَ نَفْحَةً فَعَطَّرَ أرْجَاءً
32. ومَاذا عَسَى يَرْوِي القَرِيضُ وإنَّمَا تَفَرَّدْتَ
33. ولمْ تُبْقِ مِنْ نَفْحِ الأزَاهِيرِ عَاطِراً ولَمْ أُبْقِ مِنْ عِطْرِ القَوافِىَ بَاقِيا

ـــــــــــــــــــــ
(25) الغوادي من السحاب: التي تنشأ فتمطر غُدْوَةً أو ما يسمى بمطرة الغداة.
(26) اللألاء : اللامعة ، ويقال لألأ أو تلألأ النجم أو البرق إذا لمع في اضطراب. واللؤلؤ (واحدته لؤلؤة وجمع اللؤلؤ لآلئ) وهو: الدُّر المتكون في الأصداف من رواسب أو جوامد صلبة لمَّاعة مستديرة في بعض الحيوانات المائية من الرخويات. وهنا تبدو أرض مصر في نظر الشاعر وقد أضحت حصباؤها حبَّاتٍ من اللؤلؤ بعد رِيِّها بمائه. الأنداء (جمع الندى): بخار الماء المتكاثف في طبقات الجو ليلاً ثم يسقط على الأرض قطرات صغيرة. والندى أيضاً: الجود والسخاء والخير. بتن نواديا: أي إن ما تساقط على الأرض من حبات الندى قد ساعد على نضرة النبات فكثر به العطاء والخير لتربة الوطن.
(27) المراقي (جمع المرقى): الرُّقيِّ ، وموضعه ، فعطاء النيل بمائه وبما تساقط من بخار مائه بلغ به شأواً بعيداً من الرقي ورفعة المنزلة.
(28) يريد الشاعر أن ما يحويه النيل من الكنوز بقاعه ما لا يستطيع أن يخفيه الغُثاء المخادع على سطحه.
(31) النفحة: العطية والطيب الذي ترتاح إليه النفس ، ويرى الشاعر أن مردود الجمال وسره في شعره هو تلك النفحة والإلهام من عبير نهر النيل فتعطرت بنظمه الأرجاء وأسكر بيانُه المنشدين له.
(32) أي أن تفرد النيل بالعطاء والجلال قد فاق كل ما ينظم من الشعر لولا إبداعات الشاعر في حقه.
(33) الزهر: نَوْرُ النبات والشجر (واحدته زَهْرَة وجمعه أزهار وجمع الجمع أزاهير). العطر: اسم جامع لكل ما يًتطيب به ولعل هذا هو مقصود الشاعر ، أما كلمة "عاطر" في البيت فمعناها لغة: محب العطر ، وليست رائحته كما يفهم من البيت. والمعنى أن النيل لم يبق شيئا من عطائه العَطِرْ ولا الشاعر ضّنَّ بما يملكه من عطر القريض.
34. دَرَارِي مَعَانٍ لَمْ يُثَقَّبْ فَرِيدُهَا وأبْكَارُ
35. وعُذْراً إذا قَصًّرْتُ فِيكَ فلَمْ يَدَعْ هَوَاكَ فُؤاداً فِي الأضَالِعِ وَاعِيا
36. يَعُودُ إليْكَ الوارِدُونَ لأنَّهُمْ نَسَوْا فِيكَ ألبَاباً تَذُوبُ تَصَابِيا
37. أَعَرْتَهُمُ طِيبَ الحَياةِ وَعَرْفَهَا ولابُدَّ
38. أتَذكُرُ عُمْراً لسْتُ أدْرِي مَتَى انْقَضَى وَقَدْ
39. بِصَفْصَافَةٍ تُلْقِي إليْكَ غَدَائِراً وَتَلْثِمُ شَهْداً مِنْ رُضَابِكَ صَافِيا
40. يَطُولُ بِنَا هَمْسُ الغَرَامِ وسِحْرُهُ ونَنْسِجُ مِنْ وَهْمِ الخَيَالِ أمَانِيا
41. ونَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ النِّجُومِ مَطارِفاً ويُلقِي عَليْنَا البَدْرُ مِنْهَا دَرَارِيا
42. ولمْ نَدْرِ إنْ كُنَّا سَعَيْنَا بِحُبِّنَا إلَى البَدْرِ أَمْ مِنْ شَوْقِهِ جَاءَ سَاعِيا
43. تُفارِقُ فِيكَ النَّيِّراتُ سَمَاءَهَا وقَدْ كَشَفَتْ فِيكَ العُلا والمَعَالِيا

ــــــــــــــــــ
(34) يعتد الشاعر بشعره ، فمعاني قريضه فرائد من الدُّر ، وألفاظُه لم تُفتَرعْ بكارتها ولم يسبقه إليها غيره من الشعراء ، وكلها تَزُفُّ عذارى منظومه في نيل مصر.
(36) يُجسد الشاعر الأثر القائل : إن من شرب من ماء النيل لابُدُّ أن يعود إليه ، وكأنما أذاب الشوقُ إليه قلوبهم وسلب عقولهم أو نَسَوا به غالياً عليهم فلم يُطيقوا بُعداً عنه.
(37) العَرْف (بفتح العين): الرائحة مطلقاً وأكثر ما يستعمل في الطيِّب منها ، والشاعر هنا يًعلِّل سبب عودة الزائرين لمصر بأن شربهم لماء النيل قد أسعدهم وعطَّر نسمات حياتهم فكان هذا بمثابة وديعة أؤتمنوا عليها ولابد يوماً من إعادتها لصاحبها.
(39) الصَّفْصَاف: شجر الخِلاف ، وسمي بهذا لأن السيل يجيءُ به سَبْياً فينبتُ من خِلافِ أصله وموضعه ، وهو نبات ذو أفرع كثيرة تنسدل على شواطئ الأنهار والتِّرع وتُلامِسُ وجه الماء وكأنها ترتشف من رضابه كما يقول الشاعر. الغدائر (جمع الغديرة): الذُّؤابَةُ المضفورة من شعر المرأة ولذا يُطلق أهلُ الريفِ عليها (شجرة شعر البِنْت) لطول أفرعها ونعومة أوراقها.
(41) المطارف (جمع المِطْرَف) وهو: رداء أو ثوب من خَزٍّ مُرَبع ذو أعلام. والدَّراري : جمع الدُّر. والمقصود أن ما يُرسله البدر عليهما من أشعة مضيئة تبدو كحبات الدُّر اللامعة.
(43) النَّيِّراتُ: النجوم ، وتفارق سماءها: المقصود انعكاستها على سطح النيل وكأنها وَجَدت على صفحته ما لم تجده من المعالي والسمو في مكانها تحت السماء.
44. وأشْرِعَةٍ بَيْضَاءَ فِي الأفْقِ تَغْتَدِي بِأحْلامِهَا
45. وتَحْنَانِ أُرْغُولٍ يَذُوبُ حُشَاشَةً فيُسْكِرُ
46. وَشَيْطَانِ شِعْرٍ قَدْ تَصَوَّفَ فَانِيَا وَفاضَ مِنَ الأشْوَاقِ حُبَّاً إلَهِيا
47. وَيَأتِي صَدِيعُ الفَجْرِ فِي أُرْجُوانِهِ فَمَا
48. وَيحْنوُ عَلَى أقْدامِنَا مُتَرَشِّفاً بَقَايا كُؤوسٍ وَهْوَ مَنْ جَاءَ لاحِيا
49. ويُسْفِرُ وَجْهُ الصُّبْحِ يَدْمَعُ لُؤْلُؤاً وقَدْ مَسَّهُ عِشْقٌ فَشَابَ نَوَاصِيا
50. زَمَانٌ مَضَى يَا نِيلُ بالحُبِّ والمُنَى كَحُلمٍ سَرَى فِي صَفْحَةِ الليْلِ سَاجِيا
51. هُنَا كَانَ صَفْوُ العَيْشِ والحُبُّ والتُّقَى وكَانَ عَطَاءُ اللهِ فِي النَّاسِ بَادِيا
52. وظَلَّلَ شَعْبَ النِّيلِ أمْنٌ وأُلْفَةٌ فَمَا كَانَ مَشْكُوًّا وَلا كَانَ شَاكِيا

ـــــــــــــــــ
(44) أشرعة بيضاء: المراكب ذات الأشرعة. المِلاح: الريح تجري بها المراكب. الغوادي (جمع الغادية): السحابة البيضاء التي تنشأ فتمطر وقت الغداة. وقد يكون الشاعر أيضاً قد قصد بالملاح: الفتيات الحسان يَسِرْنَ مُختالات بجمالهن على الشاطئ في هذا الوقت على التشبيه.
(45) التَّحنان: الحنين الشديد ، وتَحانَّ القوم: اشتاق بعضهم إلى بعض. الأرغول: مزمار ذو قصبتين إحداهما أطول من الأخرى (جمعه أراغيل). يذوب حشاشة: أي أن الأرغول يُخرج صوتاً هادئاً كأنه بقية الرُّوح في المريض. الأحداق (جمع حدقة): السواد المستدير في وسط العين. المآقي (جمع الموق): طرف العين مما يلي الأنف ومجرى الدمع من العين. والشاعر يُحسُّ الجمال في كل ما تراه عينهُ وتسمعهُ أذنه وقت مناجاته للنيل ويَسْعَد بما ينسجهُ خَيَالُه من الأماني.
(46) يرى الشاعر في هذا البيت أن شيطان شعره ليس من المرَدَةِ كسواه من شياطين الشعراء ، فقد صَهَرَهُ حُبُّ الشاعر للنيل حتى بلغ به درجة من التصوف وفناء الذات.
(47) الصَّديع: أَحَدُ نِصْفَي الشيء المشقوق. والمقصود: ما يظهر من الضوء وقت انفلاق الإصباح وظهور ضوء الفجر الشبيه بزهر الأرجوان الشديد الحمرة. التصابي: شدة الشوق ، أي أنه ما يكاد يفارق النيل حتى يشعر بشدة الشوق وضرورة العودة إليه.
(48) مترشفا: يقال ارتشفَ الماءَ إذا امتَصّهُ بشفتيه. لاحياً: لائماً.
(49) يُسفر: يظهر. يَدمع لؤلؤاً: أي تتساقط في هذا الوقت حَبَّاتُ الندى لامعةً كاللؤلؤ. النواصي (جمع الناصية): شعرمقدم الرأس إذا طال. والشاعر هنا يصور إطلالة الصباح وتساقُط حبات الندى آنذاك بوجه صبيٍّ يعاني عشقاً فبدا وقد شابت ذؤابات شعره وتساقطت كالدر حبات الدمع من عينيه ، فيُرجِعُ الشاعر بياض الفجر إلى شيب نواصيه من العشق.
(50) سرى: مضَى ليلا. ساجيا: ساكناً هادئاً.
53. غَدَتْ ضَفَّتَاكَ الخُضْرُ جَفْنَيَّ مُسَهَّدٍ وَوَجْهُ الرَّبِيعِ الغَضِّ أصْبَحَ صَالِيا
54. فَلا وَجَنَاتُ الصُّبْحِ تُدْنِفُ عَاشِقاً ولا لَفَتَاتُ الغِيدِ تَشْغَلُ صَابِيا
55. وأيْنَ الصَّبَايَا بِالجِرارِ نَواعِمًا وأيْنَ مِنَ الفَجْرِ المُزَارِعُ سَاعِيا
56. فهَلْ هَبَّ إعْصَارٌ فَلَمْ يُبْقِ عَامِراً وَوَسْوَسَ شَيْطَانٌ فَلَمْ يُبْقِ هَادِيا
57. فَصَاحَبْتُ فِيكَ الحُزْنَ حَتَّى كَأنَّمَا دُمُوعِىَ أضْحَتْ فَيْضَ مَائِكَ جَارِيا
58. وَخَيْرُ رَفِيقٍ لِلمُحِبِّينَ دَمْعَةٌ جَرَتْ
59. أحَلْتَ تُرَابَ القَفْرِ تِبْراً وعَسْجَداً فَمَا بَالُ مِصْرٍ شَعْبُهَا بَاتَ طَاوِيا
60. ورَوَّيْتَهَا مَاءَ الحَيَاةِ فأمْرَعَتْ وَأرْسَتْ حَضَارَاتٍ وشَادَتْ مَبَانِيا
61. وكُنْتَ لَهَا كَنْزاً فَأحْسَنَ أهْلُهَا صِيَاغَتَهُ حَلْياً مَدَى الدَّهْرِ غَالِيا
62. عَلَى أنَّ لِي عَتْباً عَلَيْكَ أبُثُّهُ فَهَبْنِي جَواباً صَادِقاً مِنْكَ شَافِيا
63. أرَى كَلَفاً فِي جَنَّتَيْها يَشُوبُهَا ولَوْلاهُ
64. وتَقْفُوكَ مِصْرٌ فِي رِضَاهَا وسُخْطِهَا ولا غَرْوَ أنْ يَغْدُو مُحِبُّكَ قَافِيا
65. وأنْتَ تُغَالِي فِي المَحَبَّةِ والفَلا فَكانَتْ

ـــــــــــــــــ

(53) يأسى الشاعر لما أصاب النيل إذ قلَّ عطاؤه وجَفَّتْ ضفتاهُ وبدا شاحب الوجه مُسْهد الجفن بعد أن كان مُختالاً بوجْهٍ كالربيع نضارة وحسناً. أصبح صاليا: أي كأنما صَلِىَ بالنار واحترق فيها.
(54) تُدنف عاشقاً: تزيدُ من مَرِضِه. تشغل صابيا: لا تستميلُهُ إلى اللهو معها.
(58) التباريحُ: الشدائد والدواهي. وتباريح الشوق: تَوَهُّجُهُ وازدياده. ماجت: اضطربت وعلت. المعاني: كل ما للإنسان أو غيره من الصفات الحميدة. والمقصود هو: أن أفضل ما يخفف على المحب آلامه وتباريح شوقه تجاه محبوبه هو: تلك الدَّمَعات التي تَتَساقط من عينيه حسرة على ضياع ما كان لحبيبه من جميل الصفات.
(59) التبر: تراب الذهب والفضة قبل أن يُصاغا. العسجد: الذهب. طاويا: جائعا. يقال طوى البطن إذا خمص من الجوع. والشاعر يَعجَبُ لحال الشعب في مصر إذ يؤلِمُهُ الجوع والضنى مع كل ما أفاضه عليه النيل من كل نفيس وخير عميم.
(63) الكَلَفِ: نَمَشٌ أو حُمرة تعلو الوجه. والمقصود ما يبدو من التصحر على مساحاتٍ من شاطئ النيل تُشوِّه جمال الخضرة على الجانبين وكأنها كَلَفٌ يعلو الوجه.
(64) تقفوك مصر: تقتفي أثرك. قافيا: أي تابعاً لك.
(65) الفلا: القطيعة ، تفاليا: أي تقارباً وتلاحماً بك.
66. غَدَا حُبُّهَا أو بُغْضُهَا وَثَنِيَّةً ومَا وَجَدَتْ مِنْ نِيلِهَا العَذْبِ نَاهِيا
67. فَكُلُّ الَّذِي تَرْضَى وَتَخْشَى مُقَدَّسٌ تُؤَلِّهُ
68. ومَنْ مَدَّ ذَيْلَ الحُبِّ والبُغْضِ غَافِلاً تَعَثَّرَ عِنْدَ الخَطْوِ فِي الثَّوْبِ ضَافِيا
69. ألَمْ تَرَهَا قَدْ قَدَّسَتْكَ كَشَمْسِهَا كَمَا
70. حَبَتْكَ سَوادَ القَلْبِ والعَقْلَ والمُنَى فَلِمْ سُمِّىَ المَحْبُوبُ يَا نِيلُ حَابِيا
71. وكَمْ أحْرَقَ الكُهَّانُ فِيكَ مَبَاخِراً وسَاقُوا
72. فَبِتْنَ بِعُرْسٍ لِلضَّلالِ ومَأتَمٍ وَمَوْتُ
73. عَجِبْتُ لِمَنْ يَلهُو بِرُوحٍ بَرِيئَةٍ كَمَا تَعْبَثُ العِقْبَانُ بِالفَرْخِ دَامِياً
74. يُصَفِّقُ لِلْكُهَّانِ شَعْبٌ مُضَلَّلٌ وَمَا الشَّعْبُ إلا البَبَّغَاءُ مُحَاكِيا
75. فَمَا كُنْتَ تَرْضَى أنْ تُرَوِّعَ غِيدَهَا وأنتَ الَّذِي عَطَّرْتَ مِنْهَا الرَّوَابِيا
76. وَمَا كُنْتَ تَرْضَى مِنْ بَني مِصْرَ قَسْوَةً وأنْتَ الَّذِي رَقَّقْتَ فِيهَا الحَواشِيا
77. فَكَمْ عَبَدَتْ حُكَّاَمَهَا ورُعَاتَهَا وعَبَّدَهَا مَنْ

ــــــــــــــــــ
(66) وثنيةً: من وثنَ الشيءُ إذا أقام. والمقصود أن حُبَّ مصر للنيل أضحى طقوساً ثابتة.
(67) المَربُوبُ: الولد الذي يتعهده مُربِّيه بما يغذيه ويؤدبه. تعبد فانيا: أي حكاماً من البشر. والمقصود أن ارتضاء مصر بذلك مُجانبٌ للصواب.
(70) حبتك: أعطتك ومنحتك ، والحباء كل ما يحبو به الرجل صاحبه ويكرمه به. السواد من القلب: حَبَّتُهُ ، ومن العين: حدقتها. وهنا جناس بين حَبَا بمعنى أعطى و (حابي) وهو رب النيل في العقيدة الفرعونية ، ومعناه السعيد أو جالب السعادة.
(72) البوازي (جمع البازي): نوع من الصقور الصغيرة أو متوسطة الحجم.
(73) العِقبان(جمع العُقاب): طائر من كواسر الطير ، قوي المخالب ، حاد البصر ، وفي المثل: أبصرُ مِنْ عُقاب.
(74) مُحاكيا: حاكَيْتُه فَعلْتُ مثل فِعْله أَو قُلْتُ مثل قَوْله ، أو اتخذت هيئة مثل هيئته. و المُحاكاةُ هي المشابهة وهي أَكثر ما يستعمل في القبيح من المشابهة.
(75) تُرَوِّعُ: تُفَزِّع وتخيف. الغيد: الفتيات النواعم الحسان.
(76) الحواشيا (جمع الحاشية): جانب الشيء وطرفه. وعَيْشٌ رقيقُ الحَواشي أَي ناعِمٌ في دَعَةٍ.
(77) عَبَّدَها: اتخذوا أهلها عبيداً لهم. وفي التنزيل "وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ" سورة الشعراء الآية 22 . البواغي (جمع الباغية): الفئة الحاكمة الظالمة.
78. وَسَبَّحَ حَمْداً بالفَرَاعِينِ فَنُّهَا وَكُنْتَ
79. ومَهْمَا أرَى مِنْهَا الأعَاجِيبَ ثَابِتٌ عَلَى حُبِّهَا بَلْ لا أزَالُ مُبَاهِيا
80. فَعَصْراً يُبَاعُ الأنْبِياءُ بأرْضِهَا بِبَخْسٍ وفِي عَصْرٍ تُوَلِّي المَوالِيا
81. أسَاطِيرُهَا حُبٌّ وخَيْرٌ تَبُثُّهُ بِسَمْعِ زَمانٍ شَبَّ فِي مِصْرَ حَابِيا
82. و"أوُزُورُ" مِنْ عُدْوانِ "سِتٍّ" مُمَزَّقٌ و"إيزِيسُ"
83. فَهَلْ مَاؤكَ الجَيَّاشُ مِنْ فَيْضِ دَمْعَهَا ورَافِدُهُ
84. وَهَلْ قَامَ بَعْدَ المَوْتِ "أُوزُورُ" عَائداً وَحَلًّ إلَهَ الخَيْرِ يَفْدِي الأَنَاسِيا
85. فَلا شِقْوَةٌ إلا إذَا كَانَ سَاخِطاً ولَيْسَ رِضاً إلا إذَا كَانَ رَاضِيا

ــــــــــــــــــ
(82) "أوزور" أو "أوزوريس" : اسم إله البعث والحساب و رئيس محكمة الموتى عند قدماء المصريين، من آلهة التاسوع المقدس الرئيس في الديانة المصرية القديمة. والبيت يشير للأسطورة الفرعونية القديمة. تزعم الأسطورة أن "ست" وهو إله العواصف والعنف عند المصريين القدماء ، قام بقتل أخاه "أوزوريس" وقطع أوصاله إلى 14 جزءاً ورمى بها في أنحاء متفرقة من وادي النيل، ، ومن ثم أصبح "ست" إلها للشر. و"إيزيس" هي ربة القمر والأمومة لدي قدماء المصريين والبطالمة والرومان. وهي زوجة وأخت" أوزوريس" التي شاركته في حكم مصر. الجفون الدوامي: التي بَرَزَ دَمُها ولم يَسِلْ. وفي ذلك كناية عن شدة البكاء. والبيت يشير للأسطورة الفرعونية حيث كانت "إيزيس" تبحث عن أشلاء زوجها "أوزوريس" وهي تبكي ، ومن دموعها يحدث فيضان نهر النيل فيفيض الماء في النهر وروافده. وقد يكون الشاعر قد وصف الجفون بالدوامي الحمراء ليجعلها سبباً في حمرة ماء الفيضان المحمل بالطمي والذي يعطيه هذا اللون الأحمر.
(84) الأَنَاسِيَا: جمع الإنسان ، وهو الكائن الحيُّ المفكر. وفي التنزيل " لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا" سورة الفرقان، الآية (49) . وما يذكره الشاعر جزء من الأسطورة الفرعونية التي ذكرت أن "أوزوريس" قد أعادته "إيزيس إلى الحياة بتعاويذها وسحرها ، وأنه بسبب جهده لعمل الصلاح والخير لشعبه قد تعرض للقهر والقتل.
(85) شِقْوة: الشِّقوةُ: الشَّقاء. وفي التنزيل " قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ" المؤمنين، الآية 106.
ساخطاً : كارهاً وغاضباً على غيره. يقال: سَخِطَ عليه يَسْخَطُ سَخَطاً وسُخْطاً إذا لم يُرْضِهِ فعل سِواه.
86. "وَمَنْفٌ" عَلَى ثَغْرِ الزَّمَانِ ابْتَسَامَةٌ يُشَيِّدُها
87. يُقِيمُ بِهَا مُلْكاً مُنِيفاً ودَوْلَةً ومَاَ عَرَفَتْ مِنْ قَبْلِهِ الأرْضُ رَاعِيا
88. يُوَحِّدُ مِصْراً فَهْىَ جِسْمٌ إذَا شَكَا بِهِ العُضْوُ أضَحَى سائِرُ الجِسْمِ شَاكِيا
89. وتَسْبِقُ بِالفَنِّ البَدِيعِ أوَابِداً وتُسْدِي إلَى الدُّنْيَا جَنَى العِلْمِ دَانِيا
90. و"إمْحُتْبٌ" أضْفَى عَلَى الدَّهْرِ طِبَّهُ ومِنْ قَبْلُ لَمْ يَعْرِفْ طَبِيباً مُداوِيا
91. وتَرْفَعُ أهْرَاماً لِـ "خُوفُو" وآلِهِ فَتَغْدُو
92. تُطِلُّ عَلَى مِصْرٍ شَواهِدُ عَصْرِهَا صُرُوحاً لِفَنٍّ لا نَظِيرَ مُضَاهِيا

ـــــــــــــــــ
(86) "منف" أو "ممفيس": عاصمة مصر في عصر الأسرتين الأولى والثانية ، أسسها الملك نارمر (مينا) عام 3200 ق.م. ومكانها الحالي بالقرب من منطقة سقارة جنوب القاهرة. "مينا": الملك مينا ، فرعون من الأسرة المصرية الأولى مدينة طيبة (الأقصر حاليا)، استطاع أن يوحد القطرين (المملكتين الشمال والجنوب) لأول مرة في تاريخ مصر حوالى عام 3200ق.م. الأواسيا: الأواسي (جمع الآسية): الدِّعامة والبناء المحكم أساسه.
(88) في البيت التفات إلى الحديث الشريف: "مثل المؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحُمَّى والسَّهَر".
(89) الأوابد ( جمع الآبدة): الداهية أو الكلمة أو الفِعْلة الغريبة التي يبقى أثرها. والمقصود هنا بالأوابد: الفرائد والشوارد من القوافي والفنون ، ومن هذا قول الفرزدق: لن تدركوا كرمي بلؤم أبيكم = وأوابدي بِتَنَحُّلِ الأشعار ، والتنحل هو الانتحال والسرقة.
(90) "إمْحُتب" : هو "إمْحُوتب": أول مهندس معماري وأول طبيب معروف الإسم في التاريخ المدون . كان وزيراً للفرعون زوسر. صمم هرم زوسر المدرج في سقارة مصر حوالي 2630- 2611 ق.م. في الأسرة الثالثة. رفع إلى درجة معبود بعد وفاته وأصبح إله الطب. له معبد في سقارة باسمه،وصار مصحة يزورها المرضى من جميع أنحاء الأرض، حيث انتشرت عنه أخبار كثيرة تعلن نجاحه في شفاء الكثير من الأمراض والعقاقير الناجحة التي اخترعها.اعتبره البعض صانع الأعاجيب.
(91) "خوفو": ثاني ملوك الأسرة الرابعة في مصر القديمة ، تولى الحكم بعد وفاة والده "سنفرو". شيد الهرم الأكبر بمصر سنة 2650 ق. م. والهرم يُعد أحد أعاجيب الدنيا السبعة. رَواني: يقال رنا إلى الشيء: أدام النظر إليه في سكون طَرفٍ وإعجاب.