الكأس العاشرة للفراغ


مَهِّدْ لانتشائِكَ بجسديْنا أيها الفراغ!
و هاتِ أقداحَك العطشى..
يعبئُها الوقتُ الناضجُ بالوداعاتِ
فدَواليه الآنَ تعفـو عن الكأسِ الأخيــرة
و احشُدْ ظلالك!
تسرْمَـــدْ فينــا..
يا ليلَ الرماديِّ القاتم
لنفقَــهَ حكمةَ اللون
لنعرفَ نعمة الضياء
و نعرف في أيِّ ليـلٍ مشروخٍ ينسكبُ الفراغ
و من أيِّ فجرٍ باهتِ الإصباح تندلعُ الشموس
هنا أطياف من وجهينا
تطفو فوق الشظايا الهائمات
نميِّزها بوفرة الشحــــوب
و بسمـتين إذ تَضمُران على الشفاه.
/ اُسكبْ كأسك الأولَّ من دهشتنا يا لَيْلَ الفراغات /
و تـذكَّــرْ حين رفرف الحلم فينا
بعضه الآن يرتطمُ بأســوار الصدِّ
و بعضهُ تَشْربُــه المسافـــة…
/ و اثملي بالأمنياتِ يا دروبَ الجفــــاء! /
مُـزَقُ المواعيــد نافـرةٌ
تلمُّ شظاياها من شتاتٍ
و ما فاضَ عن مفرداتِ الوداع
يلتئمُ الآن في نصٍّ مبتــور!
من أيِّ شظية حمقاءَ تنبعثُ القصيدة؟!
أتلفظها الحـواشي الهائماتُ!
أم تنمو زهيرات في متون الفراغات البهيمة
و ما يفعلُ الليل بعبءِ الفراغ؟
كم يثقل كاهــلَـه بالحكايا!
و تملؤُه الذكرى، شاحبةَ الملامح
ممعنةً في التشرذم..
/ غريبان نحـــنُ، و حارتْ في أُلْفَتنا المسافةُ السكرى! /
في أيِّ جـــرح من جسدينا ينسكبُ هــذا الليل؟
أَلَه أن يختــارَ؟
و لنــا سطــوةُ الشـموس؟!!
/ أحرقي خطانا أيتها الشمسُ ما طابَ لك التعب…
... و أثملينا بالنور الباهتِ يا فوانيسَ المدينة
و لتخبرينا... بإسهابِ السكارى؛
في أيِّ جرح من الليل نسكبُ قصيدتنا الأخيرة؟ /
و هــذا الفراغ الجائعُ بين سطرينا
كم حلما نَدُسُّه في الشقوق لنسُدَّ رمقـه؟
كم أمنيةً شريدة نستبعدُ من حساباتِ الليل؟
لنصقلَ حوافَّ الحقيقـــة
كم من الشظايا نرتـق عبثا؟
لنعيد للَّيل وجههُ الأول!
ونجلوَ الغبارَ عن وجهينا
و كم نهدمُ من جسدينا؟
لينجوَ النهارُ من سُكْــر الحقيقـــة؟
ذاكرةُ الشمس تهوي في لُجَّة الاحتمال!
و الليلُ يذوب الآن قطعةً قطعةً
في كأس الفراغ المشحون بالصمـــت
/ فلتُسعفينا ببعض الوضوح أيتها المدينــة /
لنكـــونَ واضحيْـــن..
كحرفيْ نـــداء جوابهما الصدى
كواو للندبة تزدريها المسافة
كغـرق لا محيــــد عنه..
و استغاثــة بين يديْ قشَّــة
/ و اسكبي بعض الضياء في كأسينا يا فوانيسَ الليل /
لنكون ساطعيْنِ... كشمس سليطة
و صارمَيْنِ... كمـــوت لا يتأخـر!
/ هاكَ الكأسَ العاشرةَ يا درباً ضاق بظلَّيْنا /
و ترنَّحي.. يا شعابــا سكرى!
غُوصي متحدةً في خاصرة الأُفق
تسربلي فينا…
لنكــون مطمئنين
و هادئين..
كندبتين تغفــوان على عشب الصدر
/ نخبَك أيها الفراغُ المشغـولُ بالسؤال /
/ نخبَك أيها الليلُ الجرحُ الجرحانِ في جسدينا /
و اثملْ بالنزيف أيها العشب الأخضر
و لو أتاكَ عصفورُ الوقتِ يزف الذبولَ
فَاتْـلُ عليه نبــأَ خطانـــا
حدِّثْـــهُ بإسهابٍ عن نزوة الضوء…
و حين يصحو الفـــراغ السكرانُ
اقــرأْ له من قصيدتنا الأخيرة:
/ نحن المعجونانِ جسدانا برحيق الوحدنة
لم يفرقنا النهـارُ
إنما الشعابُ مزقتْ أمانينا /
و حدِّثْـــهُ ما طاب لك..
عن شروخ في جمجمة الصباح
و تصدعــــات في سقف ليالينا.