" تكلم كي أراك "
عبارةٌ سقراطيةٌ فيها من الحكمةِ الفلسفيةِ ما يفتحُ شهيةَ النقاش ..وما يجعلُنا نستشهدُ بها في الكثيرِ من كتاباتنا النثرية و الشعرية..حكمةٌ لا تؤمنُ بالمظهرِ الخارجيِّ للإنسانِ مهما كانَ مُغرياً ..حكمةٌ تعكسُ أهميةَ الحوارِ لمعرفةِ الشخصِ المخبوءِ خلفَ صمتهِ ، وعدمَ الحكمِ عليهِ مسبقاَ،يقولُ أحدُ الشعراءِ:

اسمع مخاطبة الجليس ولا تكــن ***عـَجـِلا بنطقـك قبلما تتـفهمُ
لم تعــط مع أذنيك نطقا واحدا*** إلا لتسمـع ضعـف ما تتكلمُ

علمونا ونحن براعم صغار أَنَّ الصمتَ حكمةٌ ،و أن السكوتَ علامةُ الرِّضا .. ناسين أو متناسين أنَّ لكل شيء حدود..علمُونا أن كثرةَ الحديثِ من ذميمِ الخُلُقِ .. و أن خيرَ الكلامِ ما قلَّ و دلَّ ؛ فكمَّمُوا أفواهَنا .. كتمُوا أنفاسنا .. و قيدُوا حرياتِنا ..
ألَا ترونَ معِي أنَّه في تكسيرِ حواجزِ الصمت: حريةُ تفكيرٍ و نشوةُ تأملٍ .. و كشفٌ لظواهرِ الكونِ والوجود ...ألا ترونَ أنَّ في تكسيرِه رفعُ الظلمِ و مساندةٌ لِلمظلوم ؟؟ أَلَا ترونَ أَنَّ فِي تكسيرِه تحريرٌ لأنفسِنا منَ القيودِ الموروثة ؟؟ أَلا ترونَ معي أَنَّ الطبيعةَ نفسُها تَصدُرُ عنها أصواتٌ و أصوات ٌ؟؟ فَلِمَ يريدونَ مصادرةَ أصواتنا ؟؟ لمَ يصنعون لنا دائرة لا نتخطاها ..يئدون حلو المشاعر فينا ..و يحبسون أنفاسنا كما الورود تحت مقصلة القطف ..
كُلُّنا .. ذاكَ المُضطهد .. كُلُّنا .. ذاكَ المُعذَّب.. بداخلنا لغة صامتة ..عنها ساكتون لا صامتون .. بالسكوت لنْ يُقدَّم لنا الحقُّ على طبقٍ من ذهبٍ مهما كانتِ اللغةُ الصامتة قويةً ..
فكما للصمتِ حكمتُه فللكلامِ نتائجُه .. بالسكوتِ توأدُ المشاعرُ وتغتالُ الروحُ .. و مهما كان الصمت بليغا فالكلام أبلغ منه..بهِ ينتزعُ الحقُّ و به يستدل المرءُ .. فكيفَ للحق أن يُنتزَعَ و نحنُ عنهُ ساكتون؟؟ كيف للثورة أن تنجحَ لوْ كممتِ الأفواهُ و ما صرختْ ؟؟
حينَ نصمتُ ،فإننا نقسو على أنفسنا .. كما يقسو علينا الآخر بصمته ..كم نقسو عليها إن واقعاً أو افتراضاً..كم نؤنبُها .. و كم نثأرُ منها.. حينَ تغيبُ قطراتُ الندى عن الأزهار ..
حينَ تغيبُ الراحةُ عن النفوس .. حتمًا ينتشر السواد .. حتما نتلمسُ شعاعَ نورِ بين الحروف والكلمات ..نحتضن قيثارة حلم و إن كان مستحيلا..نعزف على ناي حزين .. قد يدمع العين و قد يشفي الغليل ..
فتكلم.. تكلم .. فإليك مني كلام

صمتُكَ الرهيب
و تجمُّدُ الكلام
سجنٌ للقلب
صمتُك عذابْ
قل كَلمة ..قل حرفا و تكلمْ
تكلمْ كي تراني
فرؤية القلبِ بالكلامْ
كلامُك زورق يطفو
و امرأةٌ على الزورق
للحب تهفو
أنوثتها بستان مخملي
والكل يحرسها
و العيون لا تنام
فإليَّ منك كلام
بِصَمْتِكَ غيومٌ تداهمني
تتطايرُ بيننا لغة
لا أفقهُ حروفها
تستقرُّ بالأعماق
و لا تتكلم
فتكلم كي أراك
إليَّ منكَ كلامْ

أحلام المغربي