الطين و الماء

شعر : د. جمال مرسي


أَمِنْ فِضَّةٍ شُكِّلتَ يَا صَاحِ أَم حَمَأْ
أَمِ الجَمرُ وَقَّاداً عَلَى خَدِّكَ اْنطَفَأْ
وهَل جِئتَ مِن جَنَّاتِ عَدنٍ إِلَى الثَّرَى
جَمِيلاً وفِي عَينَيكَ سِحرٌ قَدِ اْختَبَأْ
فَلَمَّا وَطِئتَ الأَرضَ واْنصَبَّ مِلحُهَا
بِفِيكَ وأَنتَ العَذبُ أَغرَتْكَ بِالظَّمَأْ
أَرَى وَجهَكَ الوَضَّاءَ قَد صَارَ شَاحِباً
و مَا بِكَ مِن ضَعفٍ، ولا هَدَّكَ الوَبَأْ
ولَكِنَّنِي يَا صَاحِبِي مُذْ فَتَحتَ لِيْ
كِتَاباً، وقُلتَ اْقرَأْ، فَكُنتُ الَّذِي قَرَأْ
فَعُلِّمتُ مِنكَ الصِّدقَ حَتَّى وإِن بَدَا
ثَقِيلاً عَلَى مَن صَانَ دِيناً ومَن صَبَأ
عَرَفتُكَ طُولَ العُمرِ تَختَالُ بَينَنَا
رَشِيقاً، كَمَا لَو كُنتَ فِي عَدْوِكَ الرَّشَأ
وتَجلِسُ مَلْكاً فَوقَ عَرشِكَ آمِراً
رَعَايَاكَ، كَالفِرعَونِ إِن ثَارَ أَو هَدَأْ
حَنَانَيكَ لا تَزعُمْ بِأَنَّكَ جِئْتَنَا
عَلَى تَعَبِ الأَسفَارِ فِي الزَّمَنِ الخَطأْ
فَمَا كُنتَ مَسلُوبَ الإِرَادَةِ إِن جَرَى
بِوَادِيكَ أَحدَاثٌ، وطَارَ بَهَا النَّبَأ
ولا كُنتَ فِي سِفرِ الأَسَاطِيرِ نُقطَةً
عَلَى السَّطرِ، لَكِنْ للأَسَاطِيرِ مُبتَدَأ
فَمَالِي أَرَى نَسْراً تَكَسَّرَ رِيشُهُ
عَلَى صَخرَةِ الأَحزَانِ، تَقتَاتُهُ الحِدَأْ
ومَالِي أَرَى طَوْداً بِعُكَّازِهِ مَشَى
إِذَا اْهتَزَّ مِن رِيحٍٍ، عَلَى وَجهِهِ اْنكَفَأ
بِرَبِّكَ قُل لِي، لا تَدَعنِي بِحَيْرَتِي
أَمِن أَرضِنَا تَشكُو حَزِيناً أَمِ المَلأْ؟
هِيَ الأَرضُ، ذَاتُ الأَرضِ مُذْ أَن رَوَيْتَهَا
فَأَنبَتَّ فِيهَا النَّخلَ والبَقْلَ والكَلأْ
وشَيَّدتَ دُوراً لا يُضَاهِي بَهَاءَهَا
ثَمُودُ، ولا عَادٌ هُنَاكَ، ولا سَبَأْ
فَيَا أَيُّهَا الشَّيخُ الَّذِي اْنسَابَ فِي دَمِي
وَقُوراً، لَكَ الوُجدَانُ والرُّوحُ مُتَّكَأْ
ويَا سَيِّدَ الدُّنيَا ومَشرِقَ مَائِهَا
و يَا مَن لَهُ قَلبِي .. أسِيفاً .. قَدِ اْلتَجَأْ
أَمَا ثُرتَ بَعدَ الصَّمتِ عُمراً عَلَى الأَذَى
و أَظهَرْتَ عَينَ السُّخطِ جَمراً لِمَن رَقَأْ
فَمَا زِلتَ يَا نِيلُ القَوِيَّ، ولَم يَزَل
كِلانَا حَدِيثَ المَاءِ لِلطِّينِ مُذْ نَشَأْ



( من المجموعة الشعرية في كل اتجاه )