الذكرياتالذكريات أوراقٌ مطـوية، وصفحاتٌ منسيـة،مكنونةٌ بداخلنا، وساكنةٌ في أعماقتا،
نطلبها من سجلات الماضي الذي عشناه، منها ماهو جميلٌ نحاول أن نسترجعه ونحياه ،
ومنها ماهو أليمٌ نحاول أن نمحوه من ذاكرتنا ونتناساه..
ومن رحمة المولى سبحانه أن منَّ علينا بنعمة النِّسيان لننسى المصائب والنكبات ،
وجعل النِّسيان صفاءً للهموم ،وتحليةً للانسان ،وتجليةً له من المصائب والأحزان،
وجعلهما أي الانسان والنسيان لبعضهما متلازمين واشتقاقهما من جنس نفس الحروف لتتناغمهما
وإلا لعشنا في نكدٍ وشقاء، ولوعةٍ وعناْء طوال حياتنا دون هذه النعمة.
أما الذكريات الجميلة فتظلُّ تحيا في أخيلتنا وأعماقنا، وتتمايس في
جوانحنا وأفئدتنا لنستعيدها مثل ومضاتٍ وخطراتٍ كشريط فيديو نطلبه من ذاكرتنا،
وننتقيه من سجلات حياتنا لتفرح به قلوبنا،وتأنس منه أرواحنا، وتسكن له مشاعرنا.
إنَّ الذِّكريات الجميلة بمثابة عوالم حيةٌ تنبعث من جديدٍ كرجع صدىً
في أخيلتنا، وتتألَّقُ صورهافي ضمائرنا ، لتبدو شاخصةً في أرواحنا
،وتسكب الأنس في نفوسنا وتبعث الأمل حياً في مشاعرنا وأحاسيسنا.
إنَّهاأيضاً وسيلة استدعاءٍ للماضي وذكرياته ، واسترجاعٍ للغابر واضاءاته ،
واستحضارٍ للتاريخ وانتصاراته ،ليكون حافزاًلنا في النهوض والمضي للمستقبل بعزيمةٍ وجد.
كما أنَّها وايم الله احدى الوسائل الانسانية الراقية للاستشفاء حيث
تضحي الذِكرى بلسماًو دواءً لتهدئة المشاعر ،وترطيب الاحاسيس، وتخدير الآلام.
أجل وهل الوقوف على الأطلال قديماً إلا إحياء لذكرياتٍ مطويةً في حياة
الشعراء ،واستدعاء لأطياف المحبوب وأماكنه ليعيش الانسان على أمل
اللقاء بشعره وخياله، وحبه وآماله.
بل وماذا يسمى شعر الغربة والحنين الذي جسده شعراء الاغتراب المهجر
الطوعي أو القسري بأرواحهم وقلوبهم وهل هوأيضاً إلا لواعج اشتياقٍ
واحتراقٍ لأماكن الصِّبا، ومرابع الطفولة والمهاد ، بعد أن جافاه
الواقع وقذف به إلى صحارى الاغتراب.
إذا سمعت فؤادي خلته بردى = وصورة العين إن شفت بها الشام