إلى روح جوري

لا يَنْبِتُ الزَّهْرُ في الأَرْضِ ، وإِنَّما في الْقُلوبِ مَنْبَتُهُ ، وفي الرّوحِ شَذاهُ .

جوري ، أَيَّتُها الرّوحُ المُحَلِّقَةُ الآنَ في عَوالِمِ الرَّوْعَةِ وَالْكَمالِ ، أَيَّتُها الْمُنْعَتِقَةُ مِنَ الأَغْيارِ إِلى الْعالَمِ الْفَريدِ ، حَلِّقي يا طُهْرًا عادَ إلى الطُّهْرِ ، حَيْثُ عادَتْ الصّورَةُ إِلى الأَصْلِ .

جوري ، أَوَ تُدْرِكينَ الآنَ أَنَّ الْجِسْرَ كانَ قَصيرًا ، وَأَنَّ عّوالِمَ الأَرْواحِ أَرْحَبُ وَأَبْقى ؟! أَوَ تَشْعُرينَ الآنَ بِقُلوبِ الأَحِبَّةِ؟ هَذِهِ الْعَوالِمُ الْواسِعًةُ الَّتي تَتَجَوَّلينَها الآنَ أَكْثَر ، تَسْتَحِمينَ في شَلالاتِ الرَّوْعَةِ ، تَتَدَثَّرينَ الْحُبَّ ، تَرْقُدينَ في الأَماقيّ ؛ لِتَنْحَدِرَ ذِكْراكِ عَلى الْخَدِّ دَمْعةً تُزْهِرُ فيها مِنَ جَديدٍ أَلْفَ ذِكْرى .

جوري ، أَتَعْلَمين ؟! الآنَ أَنْتِ قَمَرٌ يَدورُ في أَفْلاكِنا ، يَبُثُّنا السَّنا مِنَ الْعَلْياءِ حينَ تَحَرَّرَ مِنَ الْقَيْدِ الطّينَيِّ إِلى مَساحاتِ الْبَياضِ الْمُنْعَتِقِ مِنْ حِزَمِ الأَلْوانِ ... وآهٍ مِنَ الأَلْوانِ حينَ تَتَناقَضُ مُرْهِقَةً لِلرّوحِ في الْعالَمِ الأَرْضِيِّ .

جوري ، كُنا لَيْلَةَ الانْعِتاقِ نَهْمِسُ بِكِ ، أَوَ كُنا نَشْعُرُ بِروحِكِ تُحَلِّقُ حَوْلَنا ؟ أَمْ أَنَّ أَرْواحَنا حَلَّقَتْ حَوْلَكِ لّحْظَةَ التَّحْرُّرِ ؟! وَقْتَها ؛ كُنْتِ زَهْرَةَ حَديثِنا ، كُنْتِ تَتَجَوَّلينَ بِنَقائِكِ الْكَلِماتِ ، وَتَرْفُلينَ في رِداءِ الانْعِتاقِ ، في كُلِّ مَرَّةٍ هَمَسْنا فيها اسْمَكِ الْفَوّاحَ عَبَقًا تَصْعَدينَ تارِكَةً أَقْوالَنا تُوَشِّحُكِ ، تَتَوَسَّدينَ أَكْبادَنا أَجْمَعين .

جوري ، يا نَفْسًا نَحْسَبُها بِإذْنِ الله مُطْمَئِنَّةً ، ها أَنْتِ تَرْجِعينَ إِلى رَبِّكِ ، وَها أَنْتِ تَرْجِعينَ في قُلوبِنا ، وَها نَحْنُ ما بَيْنَ وُرودِ ذِكْراكِ نَنْثُرُ عَلَيْكِ أَزاهيرَ الْمَحَبَّةِ ، وَنَغْرِسُ في قُلوبِنا أَزاهيرَ ذِكْراكِ التي لَنْ تَذْبُلَ ؛ لِتُداعِبيها كُلَّما تَجَوَّلْتِ حَنايانا تَهْمِسينَ بِما اسْتَوْدَعْتِ فينا .

جوري ، ...