رسالة إلى طفل فلسطيني
وقفت وحيدا بصدر عراءْ تطاول كفاك نجم السماءْ
لتنثر فوق ليالي الظلام العنيـد المريد بدور الضياءْ
و نحن ببئر المذلة نحسو بقايا الخضوع بلا كبرياءْ
وحيدا تركناك تُرمى وترمي وراء الحصار و تحت البلاءْ
وحيدا تركناك ترمي بصدر جريح و كف صغير خواءْ
و حيدا تركناك بين اليهود رضيعي الخنا قاتلي الأنبياءْ
وحيدا تركناك تبني الخلود و تبني الصمود و تبني الإباءْ
و تبني الجهاد و تبني العناد و تبني وتبني و تعلي البناءْ
و عنا تقدم في كل يوم زفافا لعرس من الشهداءْ
بيافا و حيفا تساميت نخلا و ظلا و تمرا و نيل عطاءْ
و كنت بعكا المآذن حين تشق الظلام بنور السناءْ
وكنت بغزة تدفن في الأرض سر الحياة و سر البقاءْ
و كنت بنابلس صوت البنادق ترمي الصهاينة الأشقياءْ
و فجرت في القدس جسما نحيلا تعالى على ترهات الفناءْ
فعذرا فأنت ترى أننا عاجزون يُخَذّلنا العملاءْ
تفجر بركاننا ثم ألقى وراء التفجر بعض الهواءْ
و ذابت حناجرنا من كلام تكرر ثم طواه الهباءْ
هتاف و شجب و لوم و طبل و زمر و رقص و بعض غناءْ
وراحت قصائدنا تشتكينا و تنعتنا أيها الجبناءْ
و تسألنا كيف هذا التواني و تجلدنا أين هذا الإخاءْ
و كيف رضيتم بأن يصبح الطفل بل أقصد الشبل كبش الفداءْ
كأن الذي بيننا لم يصغ من دماء و دمع و لكن بماءْ
تموت و نحن ننفس عن غيظنا قهرنا بالبكاءْ
فنحن و هذي النساء وهذي العيال نكاد نكون سواءْ
و نحن و أنت بذات الظلام و ذات الليالي و ذات المساءْ
نعاني من الذل و العار حين ارتديت من العز أحلى رداءْ
فأنت الإمام و أنت الأمام و نحن التأخر نحن الوراءْ
و أنت السمو و أنت الرقي و أنت التقدم أنت العلاءْ
وقفت على ساحة القدس صلبا فبينكما بيعة بالوفاءْ
و أنت محوت الإياس من النصر أحييت بالصبر فجر الرجاءْ
رسمت غدا مشرقا بيديك بكف بريء و نهر دماءْ
و نحن نعاني من النوم و الجبن و الذل ليس لنا من شفاءْ
و أنت ترى داءنا يا طبيب فدون لنا بيديك الدواءْ
و لا تنسنا من دعاء بأقصاك أنت هنا المستجاب الدعاءْ
إذا لم تكن أنت من أولياء الإله فليس له أولياءْ
محمود آدم