الأحزان القديمة




الحكاية الأولى

علاء الدين


- عودي أيا قرة عيني....
أنا علاء الدين التعس، في ظهري آثار الشوك الدامية، نفذ الزيت من مصباحي ولا زلت أتعثر في الظلام
ألبس الدمقس ، اشرب من كؤوس الفضة ، اتكئ على حشايا النعام
ولكن ماذا يجديني والصفقة كلها منذ – البداية – خاسرة ؟
في وسط الصحراء اخلع عباءتي، قناعي الأخير، ومازلت أناديك أيا قرة عيني، لماذا تركتني فجأة ؟
قالوا انك عشقت بائسا حقيرا، شحاذا كان على باب قصري.....عشقت قاطعا للطرق، وانه تمضغين الصبار...عشقت المغربي العجوز، تعشقين الجميع عداي
ويلي كأسي فارغة حتى من المودة، والصمت كالجبل، وأنت طيف رائق كالنجوم، نابض كتردد الأنفاس، كالمد والجزر، ويلي منك، وأنت بعيدة، ومن سهام الثلج، ومن عيون المغاربة القاسية.
عندما انتفض المصباح بين أصابعي كانت صرختك أنت
والملح في جوف المغارة يكون أشكالا غامضة تحمل نذير الوعد والمكتوب ، وأنا أحك جدار المصباح المعدني الصدئ بجنون المحرومين ....حذرتني ....أدرك ذلك ...ضحكت لحظتها ...يا بلهاء ، من ذا يرفض قصر السلطان
يرفض تاجه وصولجانه مهما كان الثمن ، لم أكن مخطئا لهذه الدرجة الرهيبة ...ما يدريني أن العفن يرقد خلف كل شئ....وان الأشياء البراقة دائما زائفة، ما يدريني أن اللعبة لا تخصني، وأنني تعس كزهر الصبار
بالأمس حاول الخدم سرقة عقود الياقوت والزبرجد ، وانتهزوا فرصة نومي وأنا احلم بك حلما قلقا ، عندما علمت صلمت آذانهم ....كنت اخفي خلف خوفهم خوفي...وخلف بكائهم بكائي، وأمي العجوز تصرخ خلف النوافذ
أحضرت لها أعظم أطباء بغداد ،كانت تغافل الجميع وتبتلع قطع الذهب وفصوص الماس ، حاولت إفهامها أن كل شئ ملكنا ، حقنا المشروع،
- فلنحاول قيلا يا أمي أن ننسى ذكرياتنا المرة
لكنها ظلت تغافل الجميع حتى امتلأت معدتها....
وكان زيت المصباح يتناقص ...أيامي التي مضت ...أيامي القادمة، لحظاتي التي بعتها بثمن بخس، أيا قرة عيني، ألم تكوني مخطئة عندما ذهبت بعيدا إلى هذا الحد ؟....
كنت في حاجة ملحة لكلمة منك ....تقولين عد ،تقولين أطفئ ذبابة المصباح ،انزع الأقنعة عن وجوه المغاربة ،دع المغارات للخفافيش وعشاق الظلمة....لكنك ضننت علي بالكلمة الأخيرة
- يا مولاي ....بحثت عنها في كل مكان...
- هل أصابك العجز؟...
- فتشت كل القبور
- هل أصابك العجز؟
- لكنها يا مولاي...يبدو أنها تكرهك إلى حد كبير ...هناك أسوار لا أتخطاها
- أيها الجن الخائن
على القبر وضعت قبضة التراب الأولى ....وضعت قبضة التراب الأخيرة
تذكرت كم عاشت مسكينة وماتت مسكينة ...كانت تأخذني في أحضانها ،تنزع – بدفئها – برودة الغابات الليلية من عظامي ، أحسست بالأشواك الدامية في ظهري رغم الفراش الحريري ....
فقدت كل شئ...أحسست بالعري والجوع ...
خسرت كل شئ...أي شئ بقي ولم نبعه بعد ...؟...
على الصخرة البعيدة في المكان نفسه ..كان المغربي العجوز جالسا يحدق فيَ وانأ أخوض أحراش العظام النخرة
- أيها المغربي الحكيم...ماذا لو ألغينا الصفقة....؟
- لا أريد بيعه أبدا...
- صفقة خاسرة...روحي زائفة ...ضحك بصوت هادر واختفى ...وماذا كسبت أنا ؟
مازلت وحدي في المسالك المجهولة ، تركت القصور والعبيد والمصباح لكنني لم ابتعد كثيرا ،تحيط بي قبضة التراب الصلبة ، تراقبني الوجوه المنهكة
تحدق بيأس أحيانا ، بشماتة أحيانا أخرى ...عشرات الوجوه التي اعرفها ...أهل وأصدقاء وخلان، كلهم معلقون فوق قمم الأشجار...يموتون ببطء مر ...قالوا:
- خدعنا المغاربة...أعطونا المصابيح وسلبونا كل شئ...
حاولت الهرب ...أن أتفادى قدري الزائف ...وعيون المغاربة تترصدني من خلف التلال ...وأنت يا قرة عيني تركتني اخذ بشارات خلاصي، تركتني اقضي ديني الفادح وحدي...اهتف باسمك ولا أجد سوى الصدى والموت